قرأت في جريدة الجزيرة الغراء في الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك تعقيباً للأستاذ نزار رفيق بشير على تعقيب بعنوان ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر وقد استحسنت ما فيه حول أبي فراس الحمداني التغلبي الأمير الشاعر، ورأيت ان أستعير منه شيئاً مع شيء من التصرف، ويظل الفضل لصاحبه, قال أبوفراس: أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر نعم أنا مشتاق وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سر ورأى المعترضون ان من الأولى قوله بلى بدلا من نعم ليكون جوابا للسؤال المنفي كما ذكر الأستاذ بشير والحقيقة جلية واضحة انه قال: نعم لشوقه وولعه وليس هناك ربط يستوجب الظن بأنه كان يجيب على سؤال كما ذكر بأنه لا يذاع له سر لانه لا يظهر شوقه وولعه بأي قول أو فعل فهو فارس وأمير وشاعر ومثله يكون قوياً جاداً صبوراً أمام الناس أما إذا كان وحيداً لاسيما في الليل فإنه سيذرف الدموع على الحبيب معبرا عن شوقه مخرجاً عبر دموعه ما استطاع ان يكبته أمام الناس قال: إذا الليل أضواني بذلت يد الهوى وأذللت دمعا من خلائقه الكبر تكاد تضيء النار بين جوانحي إذا هي أذكتها الصبابة والفكر ثم قال بيتا رائعاً ذائع الصيت حيث قال: معللتي بالوصل والموت دونه إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر الشطر الثاني من البيت يحمل معنى غير محمود يطيب للبعض تطبيقه في مجالات مختلفة في مناح كثيرة من الحياة لكنه قد يكون محمودا في الحب فعندما تكشّر الدنيا عن نابها ويسدل الكساد ظلاله على الاقتصاد تجد من يتمثل بهذا البيت بغض النظر عن ذوي الحقوق والواجبات الإسلامية وتجد من الناس من إذا لم ينل بغيته من الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها عاث فيها فساداً متمثلاً بهذا البيت قال الشاعر: أهيم بدعد ماحييت فان أمت فوا كبدا من ذا يهيم بها بعدي قالوا: اترجو من يهيم بها بعدك هلا قلت: أهيم بدعد ما حييت فان امت فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي أعتقد أن الشاعر لم يكن راجيا في بيته السابق ان يهيم بها غيره لكنه كان يتحسر فيما لو نالها غيره ويبدي حسرته فيما لو نالها سواه وقال أبو فراس: ولكن إذا حم القضاء على امرىء فليس له بر يقيه ولا بحر هذا ايمان بالقضاء والقدر وعنصر فاعل لكل شجاع يدخل ساحات الوغى دون ان يخاف الموت وقد تمثل بهذا المعنى فرسان في الجاهلية وآخرون في الإسلام غير ان من تمثل به في الإسلام فقد نال احدى الحسنيين على النقيض من غيره, قال أبو فراس: وقال أصيحابي الفرار أو الردى فقلت هما أمران أحلاهما مرُّ وكثيراً ما نتمثل بهذا الشطر من البيت عند الخيار بين أمرين متساويين في مقدار نتائجهما السيئة قال السموأل: وقال غدر وثكل أنت بينهما فاختر وما فيهما حظ لمختار ولقد اختار أبوفراس الأسر كما اختار السموأل الثكل لأنهما طالبان للمعالي. واستمر أبوفراس في قصيدته فانتقل إلى الفخر بنفسه وبالغ في ذلك وهذا شأن الشعراء الفرسان فقال: وماحاجتي بالمال أبغي وفوره إذا لم أفر عرضي فلا وفر الوفر ثم قال: سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ثم قال: ونحن أناس لاتوسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر هذه المبالغات في التعبير يلجأ إليها الشعراء لإضفاء عذوبة على الشعر وبهاء وجمال فأعذب الشعر أكذبه كما قيل, قال الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم: ملأنا البر حتى ضاق عنا وماء البحر نملؤه سفينا إذا بلغ الفطام لنا صبيا تخر له الجبابر ساجدينا أيُّ سفين يعرفه بدوي جاهلي في الصحراء لكنها المبالغة في الفخر والموقف الذي قال فيه الشاعر قولته في قصة مشهورة مع عمرو بن هند.