هذه لمسة وفاء صادقة لشاعر مصري أقام في ربوع المملكة الغالية فلم يجد من أهلها ولا حكومتها الرشيدة إلا كل حب وحفاوة وتقدير. أرضَ السعودِ : سلامُ النيلِ و الهرمِ حَمَلتُهُ بين أضلاعي ومِلءَ فَمي أمانةٌ حَملُها صعبٌ، تذللهُ بشاشةٌ تُوجت بالجودِ والكرمِ لاقيتها في عيون الناس قاطبةً من الشمال وحتى ساحة الحرمِ في وجهكِ الغضِّ إذ يلقى أحبتهُ ببسمةٍ كالضحى من ثغر مُبتَسِمِ لما تركت ربوعَ الأهلِ في وطني وجدتها ها هنا مذ لامست قدمي ذابت بمصرٍ و نجدٍ كل جامدةٍ فلا وجودَ لأسوارٍ ولا تخُمِ (1) حتى كأن حديث النيل أسمعهُ بين الخُزامى مع الإصباح والغسمِ (2) والتوت يحكي إلى القيصومِ قصتهُ إن باتَ يشكو من الأحزان والسقمِ والنخل يرقص في الأحساء من طربٍ رقصَ الخيول على ترنيمة النَّعمِ والبحرُ صافٍ وقاعُ البحر في ألقٍ والفلكُ تجرى بأشواقٍ على نَهَمِ يا بحر جدة هل أبصرتَ قريتنا في برِّ مصرَ وقد حيتكَ بالعلمِ كم سافرت عبر عينيكَ الجموعُ فلم تحفل بماخرةٍ (3) تكتظُّ بالنَّسَمِ (4) كم كنتَ هادئ طبع كان مكتسباً من أمة دينهاً في شاهقِ القممِ دينٌ على العدل قد قامت دعائمهُ لولا رجالٌ على الإخلاص لم يقمِ ومن مدينة خير الرسلِ منزلةً فاحت نسائم هذا الدين للأمم فاحت لتخرج خلق الله من ظلمٍ ألقت بهم حقباً في غيهب الظلمِ وأشرقت شمسُ إيمانٍ ومعرفةٍ بالرفق والحزم والقرطاس والقلمِ أرخت أشعتها في كل باديةٍ ضلَّت، وحاضرةٍ في العُربِ والعجمِ يا ليت شعري، ألم تنهل حضارتهمُ من فيضِ بحرٍ من الأخلاق والقيم؟ حتى ارتوت مثلما رويتُ ظامئتي (5) من ماء زمزمَ من سلسالهِ الشَّبِمِ يا أيها الشعر لا تهجر مخيلتي قم فاعطني جوهراً من صادق الكلمِ كيما أرصِّعُ هامة الرياض به إن الرياض لها مكانةٌ بدمي يا أخت قاهرة الأعداء ما برحت عيني تتوق إلى اللقيا (6) فلم تنمِ لا زلتِ كالبدر إشراقاً بذاكرتي كالدرِّ في عنُُقِ الأيام منتظمِ أنت العروسُ وقد زفتك أفئدةٌ للعام ألفين في اثواب محتشمِ فكنت للعلم والآداب عاصمةً مرموقة القدر في الأحكام والحكم (7) تصبو إليك قلوبُ المغرمينَ كماَ نصبو إلى الجنةِ العذراءِ في الحلُمِ في كل شبرِ يدٌ بيضاءُ حانيةٌ تحنو على السهل والوديان والأكَمِ (8) أحالت الرملَ في بيداءَ قاحلةٍ بأمر خالقها روضاً من الأجمِ (9) يدٌ لآل السعود الغرِّ، ملمسُها مثلَ الدواءِ على الاوجاعِ والألمِ كم كفكفت دمعة في عين باكيةٍ واستنفرت همةً في فاتر الهممِ وكم هوت في سبيل الله ضربتها على دخيلٍ ردئ الطبع والشيمِ فارتدَّ منهزماً عن أرضِ مأسدةٍ خوفاً على نفسهِ من ليثها القَرمِ (10) سل حفر باطن كم كانت تنائفها (11) رمزاً ومفخرة للطهر والشَّممِ وعج على بلدة الخفجي فسل طرقاً يجيبك الدرب ان البغى لم يدمِ كانت سويعة نحسٍ ذاق علقمها من سادة الحرب، من أبطالها البُهَمِ (12) سحابةٌ عبرت في الجو وانقشعت لا أرجع الله سحبَ الغمِّ والقتمِ (13) هذا دعائي وشعب النيلِ، نرفعهُ لله خالق هذا الكون والنعمِ يارب فانصر حماةَ الدين في وطن كانت له صولةٌ في كل مُصطدَمِ واحفظ أيا ربنا فهداً و إخوته أهل الندى، والندى طبعِ من القِدمِ في نسل عبدالعزيز الباني دولتهُ على أساس من التوحيد محترمِ د, جمال محمد موسى حفر الباطن (1)التخم: الحد الفاصل بين أرضين. (2) الغسم: الظلمة. (3) ماخرة: سفينة. (4) النسم: الخلق والناس. (5) رويت ظامئتي: أي نفسي الظامئة. (6) اللقيا: اللقاء. (7) الحكم: جمع حكمة. (8) الأكم:التلال. (9) الأجم: جمع أجمة وهي الشجر الكثير الملتف. (10) القرم: شديد الافتراس. (11) التنائف: المفازات الواسعة. (12) البُهَم: الشجعان.