أصدرت وزارة العمل قرارها بزيادة الرسوم بواقع (2400 ريال سنوي) على مؤسسات القطاع الخاص، بهدف تحفيزه سعودة الوظائف، فاشتهر هذا القرار، لكثرة معارضيه، ولا غرابة في شهرته على حساب مضمونه، فنتائجه سيدفعها المواطن من مصادر معيشته، والقطاع الخاص لن يخسر من أرباحه ويقلل مكاسبه بأي قرار مثل هذا، فإن رأت الوزارة أن هذا القرار سيحقق نتائج جيدة للسعودة، فإني أرى أن إصدار رسوم جديدة أو رفع حالية لن يحقق الهدف، فمن سيدفع تلك الرسوم أو غيرها هو المواطن بشكل عام، ويدرك النتائج بشكل خاص وعاجل المواطن البسيط، حتى ولو ثار رجال الأعمال وأشعروا المسئولين أنهم المتضررين فهذا غير دقيق، فقدرتهم على تعويض هذه الرسوم وغيرها متيسر وممكن ودون رقابة من أي جهاز، وذلك من خلال رفع الأسعار وأجور الخدمات، فالسعر قبل وبعد القرار مختلف بالزيادة، بل أصحاب المتاجر وضعوا لائحة الزيادة على هذا القرار تحديدا، وحتى عقود الدولة لن تسلم من هذا، ومن ثم هامش الربح متحقق، وربما بعض منهم يتمنى مثل هذا لاستثماره وسوقه مبرر لرفع السعر. وزارة العمل من خلال قراراتها تسعى جاهدة تسعى جاهدة لتحقيق مصالح ومنافع المواطن والمشاركة في التنمية المستديمة، لكن بعض هذه القرارات تفتقد عاملا مهما جدا لنجاحها وهو مشاركة المستهدفين بهذه القرارات في الرأي، مع توفر الوسائل التي تحقق هذه المشاركة، فدراسة اتجاهات وحاجات الرأي العام بشكل دقيق وسريع في الوقت الحاضر أصبح متيسرا وممكنا، فما الضير في طرح قضية السعودة وما تواجهه من معوقات للرأي العام عبر وسائل التواصل أو وسائل الإعلام الممكنة، أو تكليف احد بيوت الخبرة في إعداد الدراسات الميدانية المناسبة، ونشر نتائجها للرأي العام، فهذا جانب حضاري جيد ونوع من الشفافية المطلوبة، تساهم في قبول الرأي العام لما سيصدر من قرارات لمعالجة أي مشكلة تواجه التنمية، بل لإنجاحها أيضا. اعتقد أن مشكلة سعودة وتوطين وظائف القطاع الخاص، من أهم المشكلات التي يعاني منها الوطن وتتفرع منها مشكلات أخرى، سواء أمنية أو اجتماعية، فإذا تبنت وزارة العمل الحلول لهذه المشكلة تبعا لمسئوليتها واختصاصها والمهام المكلفة بها، فإنها ليست بغنى عن مؤسسات وأجهزة الدولة الأخرى وقبلهم مشاركة المواطنين بالرأي، وإشراكهم في أفضل الخيارات الممكنة لحل هذه المعضلة، وهنا أسوق رأي الشخصي لوزارة العمل ولها الحق في مناسبته أو عدمه - فحرية الرأي مكفولة للجميع طالما أن دافعها تحقيق المصلحة العامة والنفع العام- على النحو التالي: 1- مشكلة السعودة لها جانبان جانب يتناول القطاع الخاص والجانب الآخر يتناول الأيدي العاملة أو الراغبين في العمل، وهنا يجب أن يتم النظر إلى كل جانب بما يستحق، وتحديد مصادر المشكلة فيه وإيجاد الحل المناسب له، فلا ينبغي أن نضع جميع مصادر المشكلة على جانب وإهمال الآخر، أو فرضية سلامة أحدهما من أي عائق أو مصدر للمشكلة، فتحديد المشكلة أول خطوات حلها، وتبعا لتقسيم هذه المشكلة إلى قسمين يمكن النظر إلى مصادر المشكلة لكل قسم على حدة كما يلي: بعض الأسباب التي تعيق حل المشكلة ويعود السبب فيها للقطاع الخاص، وكيفية معالجتها ومنها: 1- مستوى الأمان الوظيفي للعاملين في هذا القطاع منخفض جدا أو معدوم، فإنهاء الخدمة أو التسريح من العمل يحدث بكل سهولة (أسهل من شرب الماء مثل ما يقال)، وقد لا يحتاج لمبررات، ودون كتابة في بعض الأحيان وإن كتب فإن كاتبه أو من أملاه في بعض المواقع لا يجيد لغة الكتابة التي كتب فيها، ناهيك عن إدراكه الأنظمة والقوانين المعمول فيها. 2- ضعف الرواتب والأجور للعامل السعودي في القطاع الخاص، والمقارنة غير الصائبة بينه وبين مستوى أجور العمالة الأجنبية، فالمتطلبات المعيشية بين هذا وذلك لا تؤخذ بعين الاعتبار عند المقارنة، فليس من المعقول أن (1500 أو 2000 ريال) تغطي احتياجات العامل السعودي، مثل ما تكفي وتحقق طموح العامل الأجنبي من بعض الجنسيات، مع تجاهل الميزة التي تتحقق من خلال تشغيل العامل السعودي حتى لو ارتفع الأجر. 3- بعض مسئولي القطاع الخاص يضخم الأمور، ويدعي أن كثيرا من التخصصات التي يتطلبها سوق العمل غير متوفرة في الشباب السعودي، وقد يكون البحث عنها في المجتمع السعودي عبث ومضيعة للوقت، وقد يحدث نقص في بعضها لكن ليست معضلة، وفي حقيقة الأمر أن كثيرا من قيادات الموارد البشرية في القطاع الخاص من جنسيات غير سعودية، وتتخذ قراراتها بناء على رؤية وفكر مختلف عما هو موجود في البيئة المحلية. 4- صندوق الموارد البشرية والدعم السخي الذي يقدمه، لم يعد يحقق نجاحا مهما، أليس من الممكن إعادة النظر فيه وإخضاعه للدراسة المناسبة، وإدخال التعديلات المناسبة له، والتي تمنع من يتلاعب بآلية تطبيقه، ويحول أهدافه من دعم للأيدي العاملة المنتجة إلى أيد نائمة منتظرة. بعض الأسباب التي تعيق حل المشكلة ويعود السبب فيها لأفراد المجتمع الراغب في العمل ومنها: 1- المقارنة الدائمة بين القطاع العام والخاص، مع الاختلاف الجوهري بين القطاعين، فلا طبيعة العمل ولا الأهداف متساوية، فالقطاع العام يقدم خدمة ولا يسعى للربح، والخاص يقدم الخدمة مقابل الربح. ومن ثم يفترض من الشباب الراغب في العمل إدراك هذا الفارق المهم وتطوير قدراتهم مقابل تحقيق هذا الهدف، بما يعود عليهم بالنفع. 2- التمسك ببعض العادات والتقاليد البالية، في البيئة السعودية، والتي لم يعد وجودها واقع وإن وجد فهو شكل لا مضمون، فإذا فرضنا بقاء بعضها فهي ليست قضية جوهرية وعقائدية لا يتم تحليلها والعمل على كشف مضمونها وإظهار عيوبها متى وجدت، فيتم وضع البرامج التثقيفية اللازمة لذلك، والأمثلة على تجاوز المجتمع لبعض المفاهيم المرتبة بهذا الجانب لا يحتاج إلى تدليل. 3- بعض الوظائف التي يحتاجها القطاع الخاص تحتاج لمهارات معينة وكثيرا ما يعلل أرباب الأعمال الخاصة نقص تلك المهارات بين المواطنين، وهنا يأتي دور وزارة العمل للتنسيق مع الجهات التدريبية بناء على دراسة طبيعة الوظائف المتوفرة بالقطاع الخاص والتي يعزف الشباب عنها لقلة معارفهم فيها، وإلزام تلك الشركات أو المؤسسات بتشغيلهم بعد تدريبهم لمدة زمنية تضمن لهم الاستقرار والأمان الوظيفي، حتى يندمج هؤلاء الشباب في القطاع الخاص ويكسب الخبرة ويعيش متطلبات القطاع بشكل مناسب. هذه الأسباب وغيرها يمكن التقليل منها والوصول للحلول المناسبة لها، عبر إيجاد مبدأ الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، وإعداد الدراسات المشتركة بين وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل، أو إسنادها للمكاتب الاستشارية وبيوت الخبرة، وتفعيل الأنظمة كنظام العمل والعمال وإدخال التعديلات اللازمة عليه، بما يتوافق مع المرحلة الحالية التي تختلف عن مرحلة سن بعض تلك الأنظمة، بل إيجاد قوانين وسن لوائح لضبط قرارات الفصل التعسفية والحرمان من الحقوق، التي تمارسها حاليا بعض مؤسسات القطاع الخاص. فحل أي مشكلة يبدأ في تحديدها ومعرفة مصادرها، لا معالجة نتائجها ومظاهر وجودها، ومتى ما أخذت هذه العوامل وغيرها في عين الاعتبار وسعى صاحب الصلاحية لإيجاد الحلول المناسبة الشاملة، سيجد أفضل الحلول وأنجعها، ولعل إضافة أعباء على المواطن سواء في معيشته أو مصدر رزقه هو آخر الحلول إذا لم يجد غيره. حفظ الله الوطن وأدام أمنه. [email protected]