أفرحني وأدهشني (برغم قساوة الموقف) أن تتحقق رسالة المدرسة خارج أسوارها! ما أعنيه ليست إصلاحات تربوية بحد ذاتها إنما إصلاحات أسرية بمشاكلها وتعقيداتها، برغم المواقف الموجعة من قبل البعض وردات الفعل الغير سوية أيضا! لكنهم الرائعون يمضون في تحقيق رسالتهم برغم أي شيء. تحدثت أمينة مدرسة الصف الأول عن تلميذة لديها في الصف تسميها ابنتي! أثارت طباعها أولا ومستواها المتدني ثانيا انتباهها تبدو مهملة ولا أحد يتابعها والمقلق كذبها المستمر ربما لأنها شديدة التخيل واختلاق القصص (وعلمت فيما بعد إلى أي حد هي منبوذة من أقربائها لكذبها !!دون أن يراعوا الخصائص العمرية للطفلة ولا حتى ما دعاها لتكون كذلك بل أسوأ من ذلك لولا لطف الله تعالى!) ومن الطبيعي أن تحاول الاتصال بأهلها تقول: حاولت الاتصال مرارا ولم أفلح ووجدت هاتف والدها وكررت الاتصال في وقت كنت في انتظار موعد طبي! وجاء اتصاله أخيرا ليحمل الكثير..آلمني وضع الصغيرة وشعرت أن ذلك كثير عليها !وأن حالها الذي هي عليه نتاج طبيعي لكل ذلك! طلاق الوالدين ومن ثم زواج كل منهما لتصبح لكل منهما أسرة جديدة وصغيرتي منبوذة وهي تنتقل بين أقربائها، ليس منهم والدتها ولا حتى أهل والدتها ! بل أن والدتها منبوذة هي الأخرى من أسرتها لظروف زواجها الثاني! حتى أشفقت عليها قريبة والدها ولمت شتاتها (على حد قولها!) يبرر الأب تخليه عنها أنها لا تريدنا ! حتى أنها تجلس في زاوية قصية من البيت ولا تشارك شقيقتيها أي شيء!؟ تكمل أمينة: سألته ألم تتساءل عن سبب تصرف طفلة في السادسة من عمرها بهذا التصرف والعزلة؟ ألم تبحث عن الأسباب الحقيقة في ردة فعلها البريء هذا ؟ خاصة أنها ترى شقيقتيها في حضن أب وأم! وهي تعيش هذا الشتات الذي تباركه ؟ وكان درسا تربويا وجدت نفسها تلقيه في مسامعه وتتمناه يهز قلبه فيحتوي صغيرته، ليجيء اتصال قريبته فورا تعتب على هذه الشكوى وتبين أن تلك قدراتها في فهم الصغيرة كونها لا تنجب، ليستمر الحديث معها أيضا حول حاجات الطفلة وحنينها لوالدتها وأثر حرمانها منها! تتابع محدثتي وقد أضاء وجهها بشرا: بعيد مدة يسيرة جاءت صغيرتي وقد علت وجهها أمارات الفرح قائلة: (أبلى شفت أمي!!) وبدأت تحدثني عن والدتها والطفل الذي تنتظره! ثم قدمت لي ريالا وقالت لقد دسته في عروستي التي أهدتني وقالت أعطيه معلمتك ! كان ريالا فعلا !كتب عليه رقما بالإنجليزية! أخذته على أن أعيده لها. فيما بعد يا قرائي الكرام جاءت والدتها ممتنة وشاكرة وموضحة أنها حرمت من صغيرتها سنتين كاملتين (ولكم أن تتخيلوا حرمان الصغيرة من أمها منذ كانت في الرابعة من عمرها!!) وبعيدا عن التفاصيل الدقيقة بات أن جزءا كبيرا من مشكلة الطفلة قد حل وهي تتواصل مع والدتها فقد أصبحت الآن تعيش عند أهل والدتها وتزور والدتها في عطلة نهاية الأسبوع. المبهر أن الأم أيضا بدأت تتواصل مع أسرتها! كان ذلك إنجازا مشرفا يحسب لهذه المعلمة الحنونة والتي بحثت عن أصل المشكلة وتتبعتها من جذورها وكان لكلماتها المؤثرة مع أقرباء الصغيرة وإلحاحها في حل مشكلة الصغيرة أثرا بالغا فيهم حد القناعة رغم أن حاجات الطفلة لم تكتمل بعد! وهكذا يتحقق جزء من رسالة المدرسة في المجتمع ولا أشك في وجود الكثير من تلك النماذج المشرفة لدينا فقط تحتاج للدعم والتشجيع، مقابل الكثير من المشاكل والحقوق الضائعة التي لا تكتشف إلا في المدارس وخاصة الابتدائية فالضحايا الصغار لأخطاء يرتكبها الكبار شديدة الوجع والوضوح على الوجوه الصغيرة الذابلة والتصرفات التلقائية التي تعني الكثير. بقى أن أكمل (سالفة الريال) حين أوضحت الأم للمعلمة أنها كتبت رقم هاتفها لتفهم رسالتها الخفية للتواصل بينهما وتعمدت كتابة الأعداد بالإنجليزية وتدس الريال في لعبة الصغيرة لتخفيه عن الأيادي التي قد يهمها أن تبتر التواصل بينها وبين ابنتها حتى لو كان عن طريق مدرستها!! [email protected]