أصبحت مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة مساحة تنافسية عالمية للتنقيب عن الغاز والبترول في عمق مياهه المتشاطئة بين مصر ولبنان وإسرائيل وقبرص، بمراقبة جادة من تركيا واليونان وروسيا. ورافق إعلان اكتشاف حقل «أفروديت»، الذي ورد في خطاب الرئيس القبرصي «ديمتريس خربستوفياس» بأن بلاده تملك الآن أكبر احتياطات الغاز في العالم، التي تُقدر ب(27 تريليون قدم مكعب من الغاز بقيمة مقدرة ب120 مليار دولار) وصاحبة الامتياز شركة «نوبل أنرجي الأمريكية»، ليكشف أن هذا الحقل يحاذي المياه الإقليمية المصرية في منطقة «أراتوستيني»، ولحماية فرق التنقيب المتعاقدة مع حكومة قبرص اليونانية من خطر البوارج الحربية التركية والمصرية الموجودة في المياه الدولية القريبة من البلوك البحري لمنطقة التنقيب فقد أبرمت اتفاقيات ثنائية مع اليونان وإسرائيل ومعهما روسيا التي دفعت في عام 2011م بغواصتين نوويتَيْن إلى المنطقة البحرية القبرصية، التي تجري البحرية التركية فيها مناوراتها العسكرية، وإثر وصول الغواصات الروسية انسحبت البوارج التركية مبتعدة عن منطقة التنقيب، وأصبحت المياه الإقليمية القبرصية ساحة عرض للقوة البحرية اليونانية والتركية ومعهما روسيا وإسرائيل، وأطلق على هذا الحراك الدولي «دبلوماسية البوارج الحربية». وتخشى مصر ولبنان من الاعتداء على المكامن البحرية من الغاز الطبيعي المخزون في حدودهما البحرية حسب اتفاقية ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي لم تحدد الحدود البحرية الشرقية مع إسرائيل وتداخل المياه العميقة الدولية بين دول المنطقة الإقليمية المطلة على البحر الأبيض المتوسط. ومما يزيد هذه المخاوف العربية عظم العلاقة المميزة بين قبرص اليونانية والدولة الصهيونية إسرائيل، وارتباطها معها باتفاقيات ثنائية عدة، أبرزها اتفاقية التنقيب المشترك عن الغاز والبترول، ومنح قبرص لإسرائيل حق إنشاء قاعدة عسكرية جوية في منطقة بافوس لحماية سفن التنقيب القبرصية الإسرائيلية في مياه البحر الأبيض المتوسط، وقعها عن الجانب الإسرائيلي «نتن ياهو» رئيس وزرائها، الذي حظيت زيارته لقبرص بحفاوة بالغة، استمرت أياماً عدة في منتصف فبراير من العام الحالي، وتم توقيع اتفاقية عسكرية سرية، تمنح بها قبرص استضافة أراضيها لعشرين ألف جندي إسرائيلي بناء على طلب إسرائيل في حالات الطوارئ الحربية، حسبما ذكرته صحيفة حرييت التركية القريبة من حكومة إسرائي. ويأتي هذا التقارب بين قبرص وإسرائيل على شكل لقاء المصالح المتبادلة، إثر حالة العداء التركي الإسرائيلي عقب مقتل ثمانية مواطنين أتراك كانوا على متن سفينة مرمرة لفك الحصار على غزة من قِبل الكوماندوز الإسرائيلي. روسيا الاتحادية تحاول جاهدة للحصول على قطعة تناسب قوتها الدولية من غاز وبترول البحر الأبيض المتوسط، وقد يكون تأييدها للنظام السوري مرتبطاً جزئياً بمصالحها الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، وقد عقدت العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع إسرائيل، وقد تم تكليف شركة «غاز بروم» الروسية للتنقيب عن الغاز ونقله من البحر إلى الأسواق العالمية. وتشكل الاتفاقات المشتركة الروسية الإسرائيلية استراتيجية جديدة في صناعة البترول والغاز، ولروسيا خبرة واسعة في هذه الصناعة الأساسية. هذا المحور الاقتصادي الواسع المشكل من إسرائيل وقبرص اليونانية وروسيا واليونان يشكّل خطراً على اقتصاديات الدول العربية، ومعها تركيا، خشية سيطرة هذا المحور الجديد على احتياطيات الغاز والبترول في أعماق مياه البحر الأبيض المتوسط. وقد حذرت تركيا مصر ولبنان وفلسطين من أخطار اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص اليونانية، ودعا أردوغان مصر إلى إلغائها لضياع مساحات بحرية في المياه العميقة العربية، وجعلها مجالاً مضافاً لتنقيب الشركات المتعاقدة مع قبرص وإسرائيل. دخول الصين سباق الاستكشافات البترولية والغاز قد يعوض مصر خسارة فسخ العقد مع شركة «شل»، الذي تزامن مع إعلان اكتشاف الغاز في حقل «أفروديت» الإسرائيلي القبرصي القريب من مجال امتياز شركة شل قرب المياه العميقة المصرية، ويُخشى من اتفاق سري بين الشركة الأمريكية «نوبل أنرجي الأمريكية» صاحبة الامتياز القبرصي الإسرائيلي وشركة شل التي فسخت العقد مع وزارة البترول المصرية، التي كرمتها الأخيرة بتقديم الشكر لها على جهودها السابقة، وهي التي فسخت العقد من جانبها وحدها دون تقديم أسباب المقنعة للجانب المصري. وقد تدخل الشركات الصينية بدلاً من شل للتنقيب عن الغاز في المياه العميقة المصرية! مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة قد يزيد من حرارتها نيران المناورات البحرية التي تجريها أساطيل روسيا وتركيا واليونان، ومعها الأسطول الإسرائيلي، مدعومةً بقوة جوية مستعدة للتدخل السريع في حالة طوارئ حربية حماية لمصالحها البترولية والغازية المبشرة بمليارات الدولارات مع دخولها القوي لنادي منتجي الطاقة في العالم!! عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية