إلى ما قبل اندلاع المظاهرات المُطالبة بالإصلاح والتغيير في سورية، والتي رفعَ فيها المواطنون شعار: (الحرية والعيش والكرامة) في مظاهرات سلمية، ردَّ عليها النظام السوري بالرصاص والقمع الذي نقل الوضع من تظاهرات سلمية إلى ثورة لتغيير واقع الاستبداد الذي فرضه نظام الأسد مما أشعل الاضطرابات والعنف في كل أرجاء البلاد، وقد تفجّرت العديد من المشاكل والأزمات في هذا القطر العربي الذي كان بمثابة (سلة غذاء) لدول الجزيرة والخليج العربية، أصبح الآن يعيش واقعاً مأساوياً نتيجة تعرُّض ملايين المواطنين إلى حافة الجوع، وهي الحالة التي حذَّر منها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والذي وصلني بيانٌ من مكاتبه الإعلامية في القاهرة وعمان يحمل عنوان: (آخر المستجدات بشأن عمليات برنامج الأغذية العالمي بسوريا)، وفي البيان تحذيرٌ من أن التصعيد الأخير في أعمال العنف في سوريا يزيد من صعوبة الوصول إلى أكثر المناطق تضرراً في البلاد، وأن الأمن الغذائي في تراجع بسبب نقص الخبز، وارتفاع أسعار المواد الغذائية في أجزاء كثيرة من البلاد، ويُؤثر ارتفاع الأسعار كذلك على البلدان المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين. ويُبرز البيان النقاط التالية: بات التنقُّل من وإلى دمشق أكثر خطورةً، مما يزيد من صعوبة إرسال المواد الغذائية من مخازن برنامج الأغذية العالمي إلى بعض المناطق، ولا سيما الشمالية منها، وقد شهدَ برنامج الأغذية العالمي خلال الأسابيع القليلة الماضية، تزايداً في عدد حوادث الهجمات العشوائية على شاحناته في أجزاء مختلفة من البلاد. يتدهور الأمن الغذائي للعديد من السوريين بشكل سريع من ارتفاع حِدة النزاع واتّساع نطاقه، ليشمل المزيد من المناطق، وغدا نقصُ الخبزِ أمراً مألوفاً مع وجود طوابير طويلة أمام المخابز، ناتجاً عن نقص الوقود والدمار الذي لحقَ ببعض المخابز، فضلاً عن زيادة الطلب جراء موجات الوصول الجديد للأشخاص النازحين داخلياً. وفي حلب، باتت غالبية السكان تعتمد على المخابز الخاصة، حيث ارتفعت أسعار الخبز بنسبة تتراوح ما بين 40 إلى 50 في المئة مقارنة بالمحافظات الأخرى. لا تزال معظم المواد الغذائية متوفرة في الأسواق، وإنْ بأسعار مرتفعة، ولُوحظ في المناطق التي تشهد معارك، نقصٌ في بعض المواد الغذائية في حين تضاعفت تقريباً أسعار بعض السلع، وفي هذه المناطق تقلَّصت في الغالب إمكانية الوصول إلى الأسواق. تشير نتائج الرصد التي يقوم بها موظفو البرنامج بشكل دوري إلى أن معدل استهلاك الغذاء منخفضٌ على وجه الخصوص بين الأسر النازحة التي تتخذ من المدارس والمباني العامة ملاذاً لها، بسبب نقص بعض المرافق الأساسية فيها، أما الأسر النازحة التي تعيش في بيوت مُستأجرة ممن تتلقى المساعدات الغذائية من برنامج الأغذية العالمي، فقد سجلت معدلات استهلاك كافية، إلا أن العديد من هؤلاء نفدت مواردهم، إثر فقدانهم لوظائفهم ومصادر رزقهم واستنفادهم لمدخرات جمعوها طيلة حياتهم ومعظمهم يعيشون في المباني العامة كالمدارس والجامعات، وتؤوي محافظات ريف دمشق وحلب والرقة العدد الأكبر من الأشخاص الذين نزحوا عن مناطقهم حديثاً. تحتوي السلة الغذائية الشهرية لبرنامج الأغذية العالمي على 50 كلغ من مجموعة من السلع الغذائية بما فيها الأرز والبرغل والزيت النباتي والسكر والبقوليات المجففة والمعلبة والمكرونة والملح، وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى تقليص حجم هذه الحصص بسبب نقص في التمويل وبعض التحديات اللوجستية. كذلك، تركت الأزمة السورية آثاراً سلبية على حالة الأمن الغذائي في البلدان المجاورة التي تعتمد على الواردات الغذائية من سوريا والتجارة عبر الحدود، وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية في الأردن على سبيل المثال جراء انخفاض استيراد المواد الغذائية بنحو 50 في المئة تقريباً، وزيادة الطلب من الوافدين الجدد القادمين من سوريا، وهكذا تحوَّلت سوريا من مُنتجة للغذاء إلى بلد يُواجه أهله الجوع بسبب جرائم النظام. [email protected]