فرضت قضية الغذاء نفسها على الكثير من مقاربات التنمية الدولية، وباتت عنصراً دائم الحضور فيها.وفي العام 1945، تأسست منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، لتغدو أبرز هيئة عالمية معنية بقضية الغذاء. يقول رئيس «منظمة الخبز للعالم»، ديفيد بيكمان: علينا أن نضاعف جهودنا لتخفيض حالات الجوع إلى النصف، من خلال مساعدة المزارعين الفقراء بإنتاج كمية أكبر من الغذاء، وتخفيض نسبة سوء التغذية لدى الأمهات والأطفال، وجعل المساعدات الأجنبية أكثر فعالية والحديث عن الغذاء هو في التحليل الأخير حديث عن الأمن الغذائي، بمفهومه الكلي أو الشامل. وهو يعني وفقاً لبعض التعريفات المتداولة: تأمين حصول الأفراد، في كل الأوقات، على غذاء كاف لتلبية الضروريات الغذائية لحياة صحية ومنتجة. ويعتمد الأمن الغذائي على توفر الغذاء وإمكانية الوصول إليه، وعلى استعماله بصورة صحيحة. والأمن الغذائي، بهذا المعنى، هو أكثر من إنتاج الغذاء، وتأمين التغذية أو تقديم المساعدات الغذائية. وحسب هذه المقاربة، لا يمكن تحقيق الأمن الغذائي من خلال إنتاج كميات أكبر من الطعام فحسب، بل على الاستثمار في الزراعة وأن يتكامل مع برامج أمن اجتماعي، تعالج مسألة الجوع بين المجموعات الأكثر تعرضاً له. ويرى تقرير للفاو أن الإنتاج الزراعي العالمي يجب أن يزيد بنسبة 70% بحلول العام 2050، بهدف توفير الغذاء لسكان الأرض، الذين سيزداد عددهم ليبلغ 9.1 مليارات نسمة بحلول ذلك التاريخ. ويعتقد أن أعلى مستويات النمو الديموغرافي سوف يسجل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، (زيادة بنسبة 108% أي 910 ملايين شخص). وكان الارتفاع الكبير الذي حدث في أسعار السلع الغذائية الرئيسية كالأرز والقمح، في العام 2008 ، قد أدى إلى تفاقم غير مسبوق في أزمة الغذاء. ويعتمد على الأرز كغذاء رئيسي أكثر من نصف سكان البشرية. وقد تضاعف سعر هذه السلعة الحيوية خلال أقل من عامين، مما ولّد مزيداً من الضغوط على الدول المستهلكة. وحسب وكالات الأممالمتحدة، فقد دفعت أزمة أسعار الغذاء 105 ملايين شخص إضافي ليصبحوا في عداد الجياع في النصف الأول من العام 2009. وفي قمة الأمن الغذائي العالمي، التي عقدت في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2009، طالبت منظمة الفاو بأن تتعهد الدول بالقضاء على الجوع بحلول العام 2025، إلا أن الإعلان النهائي للقمة ركز عوضاً عن ذلك على تعهد بخفض عدد الجياع إلى النصف بحلول العام 2015. وكانت قمة الغذاء العالمي، التي عقدت في العام 1996، قد هدفت هي الأخرى إلى تخفيض عدد الجياع في العالم إلى النصف بحلول ذلك التاريخ. لقد طالبت منظمة الفاو بأن تتعهد الدول بزيادة حصة المساعدات الرسمية المخصصة للزراعة بنسبة 17% من الإجمالي. وهي نسبة عام 1980، بدلاً من 5% في الوقت الراهن، وهو ما يرفع قيمة المساعدات الإجمالية إلى 44 مليار دولار سنوياً، من 7.9 مليارات حالياً. وخلال التسعينيات، انخفض عدد الأفراد الذين يعانون سوء التغذية بمقدار ستة ملايين شخص فقط في العام. وبهذا المعدل، فإن الأمر سيستغرق أكثر من 130 عاماً للتخلص من الجوع على صعيد عالمي. وهناك 50 دولة، تضم ما يقارب 40% من سكان العالم، يعاني أكثر من خُمس الأطفال فيها دون سن الخامسة من نقص الوزن. ويعاني نحو 800 مليون شخص في العالم من سوء التغذية. وبالذات في قارتي آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء. وتشير إحصاءات الأممالمتحدة لقياس مستوى الجوع في العالم، إلى أن 27% من أطفال البلدان الفقيرة، الذين تقل أعمارهم عن خمسة أعوام، يعانون من نقص في الوزن. وتأمل الأممالمتحدة في تقليص هذه النسبة إلى النصف مقارنة، مع العام 1990 من القرن الماضي. وذلك بحلول عام 2015. وفي توصيفها لمعضلة الجوع في العالم، تقول جوزيت شيران، المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي: إنه في كل يوم يموت 25 ألف شخص من الجوع، أو أمراض متصلة به، بينما يموت طفل كل خمس ثوان، بسبب الجوع وسوء التغذية. ومع تحقق بعض النجاحات في جهود مكافحة الجوع، خلال العقود الماضية، فإن مسؤولة برنامج الغذاء العالمي تستشف "عاصفة عاتية من التحديات" مستقبلاً، تزيد الوضع سوءاً مثل: التغيرات المناخية، وتزايد موجات الجفاف والفيضانات، وارتفاع أسعار المواد الأولية، والمواد الغذائية. وترى المسؤولة الدولية أن العالم يواجه كارثة إنسانية، في وقت يجد فيه المزيد من الأشخاص صعوبة في تناول وجبة غذائية مناسبة. من ناحيتها، تشير المنظمة الألمانية لمكافحة الجوع إلى أن شخصاً واحداً من كل سبعة ينام وهو جائع. ويقول رئيس "منظمة الخبز للعالم"، ديفيد بيكمان: علينا أن نضاعف جهودنا لتخفيض حالات الجوع إلى النصف، من خلال مساعدة المزارعين الفقراء بإنتاج كمية أكبر من الغذاء، وتخفيض نسبة سوء التغذية لدى الأمهات والأطفال، وجعل المساعدات الأجنبية أكثر فعالية. وفي خطوة لدعم المزارعين الفقراء في أفريقيا، تعمل مؤسسة غيتس (التابعة لمؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس) ومؤسسة الملياردير وارن بافيت، والحكومة البلجيكية، مع برنامج الغذاء العالمي، ليشتري مباشرة محاصيل المزارعين الأفارقة ضمن عقود طويلة الأجل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع فقراء العالم لا زالوا يعيشون ويعملون في مناطق ريفية، على الرغم من عمليات النزوح الجماعي إلى المدن؛ وحيث تبدو أزمة الغذاء ذات وقع كبير على الفقراء، بمن فيهم مزارعو بعض المحاصيل الرئيسية. ويحرص البعض على التأكيد أن المساعدات الغذائية تعد جزءاً مهماً في شبكة الأمان الدولية، لمواجهة حالات نقص أغذية محددة، في الدول ذات الدخل المتدني، والتي لا تستطيع تحمل كلفة استيراد الأغذية. ويرى هؤلاء أن المساعدة الغذائية مصدر فريد لمعالجة مشاكل الجوع والتغذية، وللتعامل مع الحاجات المستعجلة للغذاء، ولدعم برامج التنمية. وتشير بعض الأبحاث إلى أن أمراض البالغين المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم والبدانة، ترتبط بنقص التغذية قبل الولادة. وهناك أيضاً دلائل تشير إلى أن نقص التغذية لدى الأم قد يؤدي إلى الحكم على البالغين بحياة معرضة لأمراض القلب والسرطان والسكري والبدانة. وفي أيلول/ سبتمبر من العام 2010، دشن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، استراتيجية عالمية تتكلف 40 مليار دولار، لإنقاذ حياة 16 مليون امرأة وطفل، خلال خمس سنوات، في إطار جهود خفض الفقر والجوع والمرض في العالم. ومن بين الأهداف الثمانية الرئيسية، المرتبطة بالتنمية، التي اتفق عليها قادة العالم في قمة الألفية الثالثة في نيويورك، في أيلول/ سبتمبر من العام 2010, لا تزال تتعثر جهود خفض معدلات وفاة النساء الحوامل، والمواليد الجدد، والأطفال دون الخامسة، بنسبة ثلاثة أرباع. ووفقاً لبيانات أممية, فإن وفيات الأطفال تراجعت بين عامي 1990 و2008 بنسبة 28%, إلا أن تسعة ملايين طفل لا يزالون يموتون سنوياً لانعدام الرعاية الصحية. وتشمل أهداف الألفية الثانية للتنمية، التي أقرها قادة العالم عام 2000، خفض الفقر الشديد والمجاعة بنسبة 50% بحلول العام 2015، مقارنة مع مستوياتها عام 1990. كما تشمل خفض الأمراض، مثل الملاريا، ومعدل وفيات الأطفال ومحو الأمية. وتتضمن الأهداف أيضاً تحسين الوضع الصحي للأمهات وحماية البيئة، وإنشاء شراكة عالمية للتنمية. وهذا بالطبع فضلاً عن مسألة القضاء على الجوع. وما يمكن قوله خلاصةٍ، هو أن معركة العالم مع الجوع هي معركة من أجل كرامة الإنسان، ولابد أن تتضافر كافة الجهود للنهوض بهذه المهمة النبيلة..