* العقل من أكبر نعم الله على الإنسان، به يَسعد في حياته وبه يُدبر أموره وشؤونه، فهو أُسُّ الفضائل وينبوع الآداب، أوجب الله التكليف بكماله، وميز الله به الإنسان على سائر الحيوان. والعقل السليم يقود إلى الحق وإلى صراط مستقيم، والعقل الراشد يتجه إلى ما يوجه به الدين من العدل والإحسان، وإنكار الفساد والعدوان. * وفي القرآن الكريم آيات تدعو العقل إلى النظر والتفكر فيما خلق الله ليزداد الإيمان ويقوى الثبات على الدين، وذلك برهان واضح على مكانة العقل في الإسلام، إذ العقل جارحة التفكير والعلم ثمرته، قال سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} بكسر اللام الثانية وهي قراءة حفص وحده، وخص العلماء بالذكر لأنهم أهل النظر والاستنباط والاعتبار، فالعقل لا يعقل إلا بالدين والعلم. * وكل ما ورد في القرآن من حث على التفكر، هو إعلان عن فضل العقل وإيحاء بالعمل على تربيته وتقويته وعَقْلِه عن المخالفة، ولذلك بين الله تعالى أن إهماله في الدنيا سيكون سبباً في عذاب الآخرة، حيث قال سبحانه إخباراً عما يجري على ألسِنة الذين ضلوا ولم يستعملوا عقولهم في معرفة الحق: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. * فالعقل الراشد هو الذي ينفع صاحبه ويوقفه على الحق وفعل الخير، ويردعه عن الشر والظلم. وأطيب الناس حياة وأرفعهم في المجد مقاماً وأوفرهم من خصال الأخلاق جمالاً ذلك الرجل الذي رُزق عقلاً سليماً وديناً قويماً، ورزق بجانب ذلك عواطف شريفة تتوجه به حيث توجه العقل، ولا ينساق العقل ولا العاطفة إلا بما يوافق الدين الحق. * فالإنسان العاقل لا يتكلم بشيءٍ ولا يُقدم على شيءٍ إلا بعد تعقلٍ وتفكر ومعرفة للعواقب ومآلات الأمور، حتى لا يندم ويتحسر على ذلك، فالعقل ميزانٌ لضبط تصرفات الإنسان مع غيره، ولذلك قيل ((العقل خير المواهب والجهل شر المصائب)). * انظر إلى من فقد عقله، وسَيّره هواه، وأخذ ينفث سمومه، ويدس دعاياته الكاذبة وأغراضه الفاسدة، لظلم الناس وإغوائهم وتفريق كلمتهم وتمزيق صفهم ودعوتهم إلى شق عصا الطاعة التي تحملوها ديناً وشرعاً، فهذا يدل على انتكاس العقل وضلال الرأي وفساد والقصد، وجحد نعمة العقل. * وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية