أعترف أنني لم أتفاجأ بتعيين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وزيرًا للداخلية، ليس لأنني منجمًا أو ضارب ودع، ولكن لمتابعتي كصحافي للمسؤوليات والمهام التي كان يتولاها منذ أن جاء به رجل الأمن الأول الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز - عليه رحمة الله- قبل 13 عامًا، حيث يكفيه أنه وقف إلى جانب والده وعمه مساندًا في امتلاك ملف (الحرب على الإرهاب) عقب سلسلة هجمات شرسة لتنظيم القاعدة بدءًا من عام 2003م واستطاع الأمير الشاب أن ينجح وينتصر أخيرًا في معركة تجفيف منابع الإرهاب وتفكيك خلايا التنظيم بضربات استباقية، أجبرت فلول الإجرام على الهروب والاختباء في كهوف جبال اليمن..!! إذًا كان الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، مؤهلًا وكفؤًا ومستحقًا لهذا المنصب السيادي والحساس، وقد قيل في الأمثال العربية «من شابه أباه فما ظلم» فها هو الأمير نايف بن عبدالعزيز يعود لنا وهو الذي لم يمت في قلوبنا وذاكرة عقولنا- في صورة الابن القوي الحازم مع الخارجين على العرف والقانون والمتسامح والناصح مع التائبين العائدين لاحترام النظام وسيادة الدولة وقيادتها.. لم نتعوّد في منطقتنا العربية أن نرى وزير الداخلية، متسامحًا وإنسانيًا ومبتسمًا ورحيمًا وقريبًا من الناس في أفراحهم وأتراحهم، وفي العادة نرى في ملامحهم قسوة وصرامة وفي أفعالهم عنفاً وسراشة، وها هو الأمير الشاب محمد بن نايف، الوزير الجديد للداخلية وقد سبقته سمعته الناصعة في تعامله الإنساني مع أسر شهداء الواجب، في علاجهم ومتابعة أوضاعهم الأسرية والشخصية والاجتماعية، واحتوائه المتورطين في أوحال الفكر الضال بالتسامح في رعايتهم ومناصحتهم ومعالجة سبل دمجهم وإعادتهم للمجتمع باختيار علماء ودعاة ومتخصصين في علم النفس والاجتماع لإعادة تأهيلهم بتصحيح مفاهيمهم الخاطئة بدلًا من رميهم في أقبية المعتقلات كما تفعل دول مجاورة..!! أما في الجانب الأمني، فقد عُرف عن الأمير محمد بن نايف إخلاصه المتفاني وجهوده المتواصلة وإنكاره للذات بمواصلة عمله إلى ساعات متأخرة من الليل، وقد كشفت الأيام بالفعل كفاءته في التخطيط لمكافحة الإرهاب ومتابعته تحديث وتطوير أجهزة الأمن وأساليبها، خاصة تلك المعنية منها بمكافحة الإرهاب، كما كان يتابع بنفسه المناورات الحيَّة، وقد حظيت جهوده بتقدير دولي من جهات ومنظمات استخبارية ومختصة في مكافحة الإرهاب، وكذلك تقدير محلي عندما وشّحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله- بوشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى لكفاءته وعطاءاته الملموسة في مكافحة الإرهاب والإرهابيين وهو الذي لم يسلم من شرورهم وتعرّضه شخصيًا لمحاولات فاشلة لاغتياله كان أهمها عملية أغسطس 2009م عندما فجّر انتحاري نفسه أثناء استقبال الأمير محمد له في منزله بجدة مما يكشف الحقد الدفين الذي يضمره تنظيم القاعدة للرجل الذي نجح في دحرهم إلى جبال اليمن..!! أعرف الأمير محمد بن نايف ودودًا، على جانب كبير من دماثة الخلق والتواضع.. وأعترف كصحافي أنني لأول مرة، اكتشف مسؤولًا بارزًا لا يحب البروز والانتشار الإعلامي، فحينما تم تعيينه في عام 1999م مساعدًا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، اتصلت به هاتفيًا، وكنت وقتها مسؤولًا عن تحرير صحيفة (الشرق الأوسط) في الرياض، أفهمني بأدب جم أنه (لا يريد أن يتحدث عن نفسه ومنصبه) وقد حاولت مرارًا بعد هذه المحاولة لكن الرجل هو الرجل لم يتغيّر، وفي مرة من المرات اتفقت معه ألا أذكره كمصدر فوافقني على شرط أن أتلو عليه الخبر قبل نشره وتفاجأت به يصحح لي معلومات فاتت عليّ من أهمها أنني تجاوزت الإشارة - دون قصد- إلى الأمير أحمد بن عبدالعزيز، نائب وزير الداخلية، ونبهني قائلًا: أنت أشرت للأمير نايف ولي، ولم تشر لنائبه الأمير أحمد، وهذا لا يجوز، وأدهشني أخيرًا برغبته في عدم نشر الخبر..!! وكأنه يريد أن يؤدبني، وعرفت مدى احترامه وتقديره لمسؤوليات ومهام عمل عمه الأمير أحمد وأنه -أي الأمير محمد - مجرد المسؤول الثالث في وزارة الداخلية.. وفي أحد اتصالاتي الهاتفية به في مكتبه بالوزارة للتأكد من خبر أمني فوجئت به يقول لي: (يا أخ حاسن، الأمير نايف يعزّك كثير) وحتى الآن لا أعرف سبب هذه المقولة..!! وذات مرة، أجريت حديثًا لصحيفة (الشرق الأوسط) مع أحد المعتقلين في جريمة تفجير مبنى الحرس الوطني بشارع الثلاثين في حي العليا بعد أن قضى محكوميته وأعلن توبته، وفي يوم نشر الحديث، اتصل بي الزميل الأستاذ عبدالرحمن الراشد، رئيس التحرير آنذاك، مؤكدًا لي ثناء الأمير محمد بن نايف على تفاصيل اللقاء، وقوله: (استطاع حاسن أن يستنطق الرجل أكثر من محققينا..) وهذا الكلام على ذمة الزميل الراشد..!! وبعد.. دعواتي للأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز بمزيد من التوفيق والسؤدد، لأننا في مرحلة نحن فيها بأمس الحاجة لأمثاله من الرجال المخلصين.. أيوا (أمريكا)