هناك مثل يقول «إذا صفعتني مرة، فهذا خطؤك، وإن صفعتني مرتين فهذا خطئي»، بمعنى أنه إذا استقبل خدي صفعة فجائية منك فهذا خطؤك لأنني كنت أظن فيك خيراً، ولم أتوقع أنك تضمر لي شراً. أما إذا تمكنت من صفعي مرة ثانية فهذا خطئي ومشكلتي وربما سذاجتي، لأنني لم أستطع منعك من ذلك ولجمك عن معاودة تلك «الصفعة» مرة أخرى. كل ذلك يؤكد ضرورة الاستفادة من التجارب واتخاذ الاحتياطات والاحترازات اللازمة التي تمنع إعادة إنتاج الأخطاء نفسها، حتى لا يتم اللدغ من الجحر نفسه مرتين. لا تزال معركة الحرب على الإرهاب قائمة ولا يزال المتطرفون يخططون ويجندون ويشكلون عناصر إرهابية جديدة بهدف القتل والترويع والتفجير والتدمير بعد أن تشربت عروقهم وتعبأت عقولهم بأفكار التكفير التي تستبيح الدماء وتزهق الأرواح وتكفر الدولة والشعب بانتظار معانقة «الحور العين» وإقامة خلافة في الأرض تعبر عن نياتهم وأفكارهم الإرهابية. خلال السنوات الماضية وتحديداً بعد تفجير مجمعات سكنية في الرياض، وتفخيخ المصاحف في شقة الخالدية في مكةالمكرمة، تعلمت الأجهزة الأمنية السعودية كثيراً وأصبحت تمتلك خبرة كبيرة ودراية كافية بكيفية إدارة الحرب على الإرهاب، وحمت البلاد من نيات «القاعدة» وعناصرها الضالة، بل إنها تمكنت - عبر تمريرها معلومات أمنية دقيقة - من إفشال أعمال إرهابية كانت تستهدف بلداناً غربية وعربية. أعتقد أننا أصبحنا نملك من التجارب ما يكفينا ويمنعنا من عدم تكرار الخطأ، فمنذ العفو الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عمّن يريد أن يسلِّم نفسه من عناصر الفئة الضالة، شريطة أن يعود إلى جادة الصواب، أطلق عدد كبير من الذين تم القبض عليهم بعد أن رأت وزارة الداخلية تغير مسلكهم وسلوكهم. إلا أن مطلوبين أمنياً وخريجين من معتقل «غوانتانامو» ممن تلقوا تأهيلاً نفسياً واجتماعياً وإرشاداً منفرداً في مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، انتكسوا إلى أحضان «القاعدة» ثم عادوا مرة أخرى ليسلموا أنفسهم مثل محمد العوفي وجابر الفيفي، فيما لا يزال بعض رفاق دربهم شريراً يشكل خطراً مثل سعيد الشهري في اليمن. للأسف تعامل بعض هؤلاء الضالين مع العفو على أنه عفو ضعيف محتار وليس قوياً مختاراً، إذ كذبوا واستغلوا العفو وإطلاق سراحهم بعد تأهيلهم ومناصحتهم وتحسين أحوالهم ليعودوا مجدداً إلى أحضان «القاعدة» بغية تفجير البلاد وإرهاب العباد، وهو ما يستحق التأني في القراءة للأسباب والمسببات. خلال الفترة الماضية سلم اثنان من المطلوبين أمنياً نفسيهما طوعاً وهما بدر الشهري من باكستان، وجابر الفيفي من اليمن، والأخير سبق أن استعيد من معتقل غوانتانامو، والتحق ببرنامج المناصحة، لكنه فر والتحق بتنظيم «القاعدة» في اليمن مع رفيقه الشهري حتى اكتشف حجم كذب «القاعدة» ومغالطاتها ونياتها السيئة كما يزعم. الحكومة السعودية استقبلت هؤلاء العائدين وتجاوزت أخطاءهم ووفرت لهم سكناً وعلاجاً وحياة كريمة، لكن هناك خشية منطقية وافتراضاً محتملاً من معاودة هؤلاء صفع الوطن مرة ثالثة، كما فعل الانتحاري عبدالله عسيري الذي نفذ محاولة الاغتيال الفاشلة لمساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، بعد أن تظاهر بالندم والتراجع عن أفكاره وهو رافض يد العفو التي مدت إليه، ليبادلها ب «خنجر» الخيانة والغدر حتى تقطع جسده في حفرة حفرها لغيره. قبل أيام بث تنظيم «القاعدة» في اليمن شريطاً مسجلاً عن محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، جاء على لسان قائدها العسكري قاسم الريمي، وهو يقسم برب الكعبة بأن محاولات استهداف قيادات وأمن واستقرار البلد ستستمر، وقال حرفياً: «سنأتيكم إلى مكاتبكم وإلى غرف نومكم، وننصحكم نصيحة قبل أن تناموا: انفضوا فرشكم». أمثال هؤلاء ممن لا يُقدِّرون العفو والصفح ويستمعون للريمي وأشباهه، لا يستحقون سوى الصفع والتعامل معهم بلغة القوة، لترتد عليهم نياتهم أكثر ألماً بعد أن جنحوا إلى التفجير والتكفير برغبة دموية تُحِرّكهم شرارات حقد وكراهية. لست معارضاً لبرنامج المناصحة لأن الفكر يجب أن يقاوم ويقابل بالفكر، لكن يجب التأكد من شفاء هؤلاء من أمراضهم الإجرامية حتى لا يشكلوا خطراً على غيرهم. لكنني أعارض «تدليل» و «تدليع» هؤلاء المجرمين عبر تبني الحكومة دعمهم بالمصروف الشهري ودفع كلفة زواجهم وعلاجهم وتأمين سكن خاص لهم، فيما يشكو غيرهم من الشباب السعودي البطالة، ولا يجد مسكناً له ولعائلته. فيما إذا قورن هؤلاء المتورطون بالإرهاب بشباب الوطن الذين لم يبرحوا أرضه ولم يخدشوا مشاعره، فإن هؤلاء قد أرهبوا الناس وأضمروا الشر وتوشحوا بالغدر والخيانة، وخططوا للقتل والتفجير ومؤهلاتهم العلمية (صفرية)، فيما شباب الوطن المعتدلون يكدحون وبينهم العاطل من العمل والعاجز عن بناء منزل لأسرته على رغم أنه يحمل شهادات دراسية وقبل ذلك روحاً وطنية. يجب أن يعلم هؤلاء أن باب الصفح ليس مفتوحاً على مصراعيه في انتظار وجوه هؤلاء وحكايات ضلالهم ليراعي عقوقهم وجنونهم وإرهابهم، بل يجب أن يعلموا أن لا تسامحَ مع مَنْ لا يتسامح مع نفسه ويتصالح مع الآخرين، ولا عفوَ عمّنْ لا يقدّر العفو، ويستوعب فضاء الوطن الجامع للكل، فمَنْ يروّع المواطنين في أمنهم يستحق العقاب لا الثواب والحوافز وجبر الخواطر والتبرير بأنه كان «مغرراً به»!