وبعد أن صدر الأمر الملكي الكريم بتعيين معالي الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الهزاع رئيسا لهيئة الإذاعة والتلفزيون نتطلع الآن إلى أن تخرج هذه الهيئة بأنظمتها ومجالسها وكوادرها وتبدأ عملها منطلقة برؤى جديدة مختلفة؛ فماذا نريد منها؟ ومم ستتشكل؟ وما هي رؤيتها للإعلام في زمن رأي وخبر الإعلام الجديد الذي لا يعرف معنى البيروقراطية ولا انتظار الإذن ولا الأوامر الإدارية ولا يأبه بمختلف الحساسيات؟! وقبل أن أبسط القول في الإجابة عن هذه التساؤلات لابد أن أقدم مدخلاً عن شخصية المسؤول الأول في هذه الهيئة الأستاذ عبدالرحمن الهزاع؛ لنعلم هل نحن قريبون من التوقعات المنتظرة أم أن تحقيقها سيواجه صعوبات. عبدالرحمن الهزاع ابن المؤسسة الإعلامية منذ أن تخرج في كلية اللغة العربية عام 1394ه (وقتها لم تكن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعد) ضمن دفعة الكلية الثامنة عشرة مع كوكبة من زملائه الذين أصبحوا إعلاميين لاحقا كالمرحوم الدكتور عبد القادر طاش والدكتور أحمد سيف الدين وإبراهيم بن عبد الكريم النوفل، وكان الثامن على دفعته المكونة من ثلاثة وثمانين طالبا، وقد التحق بوزارة الإعلام محرر أخبار بإذاعة الرياض، ثم ابتعث لدراسة الماجستير في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وواصل عمله الإعلامي في إدارة الأخبار بالإذاعة ثم في التلفزيون، وترقى في هذا المجال مديرا لإدارة الأخبار بالقناة الأولى، فمديرا عاما لها، فوكيلا مساعدا للإذاعة، ثم وكيلا للإعلام الداخلي ومتحدثاً باسم الوزارة، ثم وكيلا للتلفزيون مع كونه متحدثاً باسم الوزارة، ثم وكيلاً للوزارة للعلاقات الثقافية الدولية، إلى أن صدر الأمر الملكي بتعيينه رئيساً لهيئة الإذاعة والتلفزيون بترشيح من معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة. وخلال ما يقرب من أربعين عاما عاصر الهزاع تطورات مختلفة في العمل الإعلامي، وتنقل وعياً وفكراً وتجربة بين أمواج العمل الإعلامي وتياراته وصراعاته وضغوطه وشدائده وبيروقراطيته ومحاسباته الدقيقة علىكل صغيرة وكبيرة في أزمنة مرت كان فيها الرقيب الداخلي والخارجي يقلب الكلمة التي تنطلق من الإذاعة والتلفزيون على كل وجه، مما يحسن بنا أن نسم تلك المرحلة بالعسكرية حقاً، لقد تكيف الهزاع ونخبة من الإعلاميين مع تلك الأوضاع الحرجة التي تتأثركثيراً وتستجيب للطوارئ والمستجدات السياسية والاجتماعية، كما كان الشأن مثلاً في أزمة الحرم 1400ه أو أزمة الخليج عام 1411ه، أو أزمة الإرهاب والتطرف عام 1423ه. وقد عملت مع أبي ياسر سنوات عدة لصيقا به وتحت إدارته حين كلفت بإدارة البرامج الحوارية والثقافية في القناة الأولى، وواجهنا أزمة الإرهاب التي مرت بها بلادنا بكل صبر وشجاعة، وكان بسعة صدره وجرأته ووعيه السياسي والفكري والاجتماعي خير معين لنا على أن نكون في الموقع المعتدل وفي الوقت نفسه في الصف الأول المواجه لفكر التكفير والإرهاب، ولم أجد مشقة في موقف أو حرجاً في فكرة أو مع ضيف إلا وأبو ياسرحاضراً يعين ويدفع العمل إلى الأمام. وفي الجانب الشخصي يتميز الأستاذ الهزاع بتواضع جم، وأريحية مع كل المستويات الوظيفية، ومقدرة على التصدي للفردية والتسلط الإداري كما حدث في سنوات قريبة منصرمة، وبتوازن واعتدال في التعامل مع التيارات الفكرية، وهو في هذا الجانب كان يقف ضد التصنيف الفكري أو الارتماء في أحضان تيار واحد؛ بل كان يلح على ضرورة التنوع في اختيار الضيوف والقضايا التي تمثل مختلف الاتجاهات. وإن تجربة أربعين عاما في قلب الحدث الإعلامي تدفعنا إلى أن ننتظر الكثير، وبخاصة أن الوزارة مع الأسف عاشت فترات طويلة من الخمول والرتابة والتبلد وضعف التطوير، مما دفع كثيرا من الكفاءات إلى الهرب والبحث عن مواقع عمل مختلفة، وحدث بسبب تردي تلك المراحل الإدارية فراغ تراتبي في القيادات لقطاعات كثيرة، ونقصا في الكفاءات، مما ترتب عليه أن يُكلف إداري إضافة إلى عمله بمسؤولية أو أكثر، أو أن يُنقل من عمل إلى آخر بعد كل فترة قصيرة لضرورة سد الفراغات الإدارية كما حدث مع أبي ياسر نفسه. ولذا فإن العبء كبير جدا على من أوكلت إليه مسؤولية تشكيل كوادر هذه الهيئة ووضع خطط ونظام عملها الإداري والمالي ولغة خطابها الإعلامي في عصر مختلف كل الاختلاف؛ عصر التحدي الحقيقي، ومرحلة الإعلام الجديد الذي يحرر ويكتب ويخرج ويصدر مطبوعته ورأيه من منازلهم دون رقيب أو حسيب، ودون ميزانيات أو رؤساء تحرير أو وزراء! التحدي خطير وخطير جدا في مرحلة تتبوأ فيها بلادنا صدارة الاستقرار السياسي والاقتصادي في الوطن العربي والإسلامي والعالم، وتتهيأ بأجيالها المتخرجة من أرقى جامعات العالم ضمن مراحل مشروع خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - للابتعاث إلى أن تتسارع فيها خطى التحديث، وأن يرتقي بها فكر هذه الأجيال إلى تحقيق آمال النهضة المنشودة في كل مناحي الحياة؛ وهنا لزاما على هذه الهيئة أن تكون لغة الإعلام الرسمي التي كانت ثقيلة وبطيئة وبيروقراطية لغة جديدة سباقة استشرافية متواضعة متداخلة مع هموم الناس وقضاياهم، شفافة، معبرة عن الوطن كله بمختلف فئاته وطبقاته وقضاياه، تغلب المصلحة العامة على الفردية، وترتفع بالمشهد الإعلامي من التبليغ والتوجيه إلى المشاركة في الهم العام. والموافقة السامية على إنشاء هذه الهيئة إيمان مطلق لا يقبل الجدل من صاحب القرار بأن لغة الإعلام القديمة وهياكل الإعلام القديم قد ولى زمنها وانتهت صلاحيتها؛ فإن لم تحقق الهيئة بتشكيلها الجديد وخطابها المأمول ورؤيتها العصرية وإنصافها أيضاً لإعلامييها فكأنها لم تخلق، وكأن الأمر لا يعدو إعادة صياغة للمواقع الإدارية القديمة بالأسماء نفسها وبالعقول نفسها وباللغة نفسها لكن بحوافز وإكراميات مالية أكثر سخاء وغدقا! يدخل الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الهزاع تأريخنا الإعلامي حين يضرب صفحاً عن تكرار إعلام ما قبل 1400ه ويخطو بثقة وجرأة إلى إعلام اللحظة 2013م. أسأل الله تعالى له العون والتوفيق والسداد. [email protected] mALowein@