د. أحمد الفراج - الجزيرة السعودية سأعود بكم إلى الماضي، أيام الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن منتصف القرن التاسع عشر، وحينها كان هناك مجتمعان في أمريكا، مجتمع السيد الأبيض، ومجتمع الرقيق الأسود، وكان السود عبارة عن سلعة تباع وتشترى، يسامون سوء العذاب، ويعيشون حياة بائسة في منازل متهالكة داخل مزارع البيض في ولايات الجنوب كجورجيا وميسيسيبي والاباما. الرئيس لينكولن، والذي فاز بالرئاسة الأمريكية عام 1860، كان محاميا بارعا في ولاية الينويز، واشتهر على المستوى الفيدرالي بعد مناظراته الشهيرة مع دوقلس، فقد كان الأول ضد سياسة الاستعباد، والثاني يؤيدها، وقد نفذ لينكولن وعوده وجعل تحرير السود أولوية له، ولم يكد يبدأ فترة رئاسته الثانية حتى تم تحرير السود، بعد معارك دامية امتدت لسنوات طويلة بين الجيش الفيدرالي وجيش ولايات الجنوب المنفصلة مات فيها فئام من الناس. وما يخفى على كثيرين أن الرئيس لينكولن لم يجاهد لتحرير السود حبا لهم، فقد كان يقول: إن السود يأتون في مرحلة أدنى من البيض، ولكنه كان سياسيا حكيما أدرك أن إرهاصات ثورة السود على العبودية قد بدأت، وأن تأخير منحهم الحق الأدنى لمتطلباتهم قد يفجر ثورتهم لاحقا بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ولذا بادر للمطالبة بتحريرهم، ولما لم يستجب البيض في ولايات الجنوب العنصرية، اضطر الى إجبارهم على ذلك بقوة السلاح، وتحمل في سبيل ذلك عبئا كبيرا على مدى سنوات طويلة من حكمه، قبل أن يتم اغتياله على يد متطرف ابيض أثناء مشاهدته عرضا سينمائيا في واشنطن العاصمة، ولكنه مات بعد أن حقق حلمه، ودخل التاريخ من أوسع ابوابه، فقد تحرر السود من العبودية، ولكن لم يمنحوا حق الترشح للانتخاب أو حتى التصويت، كما صدرت قوانين الفصل العنصري في مجال الخدمات والمرافق العامة. بعد ذلك بقرن من الزمان فاز الرئيس جون كينيدي برئاسة أمريكا، وأدرك هو الآخر ان ثورة أخرى للسود كانت في طريقها للانفجار، حيث كانوا يطالبون بالمساواة وحق الترشح والتصويت، وإلغاء قوانين الفصل العنصري. قرر كينيدي أن الوقت قد حان لمنحهم هذا الحق، وقد أبدى تعاطفا مع قضيتهم، وزار بعض ولايات الجنوب الأشد فقرا. ومع أنه تم اغتياله، الا أن خلفه الرئيس جانسون اضطر للسير على نهجه نتيجة لضغط حركات الحقوق المدنية التي أشعل أوارها المناضلان مالكوم اكس ومارتن لوثر كينج، وتم على إثرها صدور قوانين المساواة بين الجميع في عام 1968، والتي كانت قمة نتائجها فوز الرئيس اوباما قبل سنوات. كان كينيدي - ربما مثل لينكولن- من حيث نظرته إلى السود، ولكنه اتخذ قراره مستشعرا مسؤوليته في حماية المجتمع الأمريكي من التصدعات والقلاقل التي كانت بوادرها واضحة للعيان منذ العام 1950. وختاما، كان كينيدي ولينكولن يدركان أن وجود «أقلية» تحمل كل صفات المواطنة، ولكنها منقوصة الحقوق كفيل بأن يزعزع المجتمع، كما كانا يدركان أن حصول السود على حقوقهم لن يغير من الأمر شيئا، فالبيض هم الأغلبية الساحقة التي ستظل المسيطرة على كل مفاصل الحراك السياسي، وهي نظرة حكيمة، إذ حتى عندما فاز أوباما بالرئاسة، فإن نسبة كبيرة جدا من أعضاء الكونجرس بشقيه والمحكمة العليا وحكام الولايات والمجالس النيابية في الولايات والمقاطعات والمدن هم من البيض! فاصلة : «منح الحقوق كاملة شرط ضرورة للولاء الكامل».