أحرزت المصارف السعودية المدرجة بسوق الأسهم أرباحاً عن الأرباع الثلاثة المنتهية من هذا العام تعادل 21.99 مليار ريال، مقارنة بنحو 19.6 مليار ريال عن الفترة المماثلة من العام السابق، محققة زيادة 12.4% .. ورغم التفاوت في أرباحها إلا أنها جميعاً أحرزت معدلات نمو مقبولة، باستثناء البنك الفرنسي الذي حقق تراجعاً في أرباحه ب1.9% .. وحقق بنك البلاد أعلى معدلات نمو بلغت 253%، تلاه الجزيرة بمعدل نمو 109% .. أما بالنسبة للقياديين (الراجحي وسامبا)، فقد حقق الراجحي معدل نمو ب9%، في حين حقق سامبا معدل نمو 3%. وتعد الأرباح المجمعة للبنوك في 2012م امتداداً لتلك المتحققة في 2011م والتي جاءت أعلى من المتوقع، إلا أنها في الأرباع الثلاثة المنتهية من هذا العام توحي بأن أرباح البنوك في 2012م يتوقع أن تكون الأعلى في تاريخ البنوك السعودية، فإذا افترضنا أن البنوك حققت أرباحاً في الربع الرابع 2012 مماثلة لمثيلتها في العام السابق (بقيمة 6.04 مليار ريال)، فإن الأرباح المجمعة للبنوك في 2012م ستصل إلى حوالي 28.03 مليار ريال، محققة نمواً متوقعاً بمعدل 9.5% عن أرباح2011م. وتشير التقديرات إلى حدوث تطورات مثيرة في بيئة عمل البنوك، مكنتها من تحقيق هذه الأرباح المتنامية، بشكل يثير تساؤلات عديدة: هل هذه الأرباح تشغيلية أم ناتجة عن أرباح من عمليات استثمارية بعيدة عن العمل المصرفي؟ هل هذه الأرباح نتيجة فعلية لتحسن أداء البنوك أم لتحسن أداء الاقتصاد الوطني؟ لماذا معظم البنوك اليوم تتنافس لإظهار أرباح أعلى عن مثيلتها الآن؟ البنوك اللاعب الرئيس في الأنشطة الاقتصادية كافة لا جدال بأن هناك تحسناً كبيراً في معدلات نمو الأنشطة الاقتصادية بالسوق المحلي، فالناتج المحلي الإجمالي عموماً الآن يحرز معدل نمو 7.1%، وهو الأعلى نسبياً، ويعد غير متوقع، كما أن معدل التضخم تراجع خلال سبتمبر من هذا العام ليصل إلى 3.6%.. أما عرض النقود فأصبح أعلى كثيراً عن مستوياته في السنوات الماضية (وصل في أغسطس الماضي إلى 1288 مليار ريال).. وعليه، فإن المعطيات كافة تسير في صالح البنوك: (نشاط عالي + تضخم منخفض = عرض نقود عالٍ للغاية).. فالبنوك تتحرك من خلال عنصرين: الودائع والقروض، فطالما هناك نشاط، فهناك ودائع، والتي تحولها البنوك لقروض، وكلما ارتفع الإقراض زادت أرباح البنوك. العودة للتوسع في الإقراض البنكي رغم أننا لاحظنا أن بعض البنوك أعزت أرباحها لعمليات تشغيلية (أرباح استثمارية)، إلا أن الأرباح المجمعة للبنوك عموماً يمكن تفسيرها بالتوسع في عمليات الإقراض من جديد، حيث اتسع حجم القروض البنكية بمختلف أشكالها من 2759 مليار ريال في 2011م لتصل إلى 2368 مليار ريال في الثلاثة أرباع المنتهية من 2012م، وإذا افترضنا حدوث حجم القروض نفسه في الربع الرابع 2011م (719.1 مليار ريال) للربع الرابع من 2012، فسيصل حجم القروض في2012م إلى حوالي 3087.1 مليار ريال، وهي تعد القيمة الأعلى في تاريخ البنوك، والتي يتوقع أن تصل معها معدلات الإقراض إلى الودائع إلى ما يناهز 81.7%، وهي النسبة الأعلى أيضاً، والتي يمكن أن تصل إليها البنوك لأول مرة .. ومن الواضح أن البنوك تعتمد حالياً سياسة توسعية تستهدف نشر وتوسيع حجم النشاط الاقتصادي من خلال تعزيز المعروض النقدي، بتحويل أكبر قدر من الودائع إلى قروض. غياب المخصصات المبالغ فيها لقد عانى المساهمون في البنوك كثيراً خلال الفترة من 2008-2010، ففي كل نتائج ربعية كانت البنوك تعلن عن مخصصات ضخمة، وكانت البنوك تتنافس على الإعلان عن خسائر، وحتى إن ربحت كانت تحتجز معدلات عالية من المخصصات المجنبة لمقابلة أي ديون معدومة أو مشكوك في تحصيلها، وبالطبع ذلك نتيجة للحيطة والحذر العالي ضد تداعيات الأزمة المالية العالمية آنذاك.. الآن تبدو البنوك متجهة إلى التوسع القائم على التفاؤل بدليل ارتفاع معدل القروض/الودائع من 79.4% في 2011م إلى 81.7% خلال 2012م .. هذا وينبغي التنويه إلى أن انخفاض تلك المخصصات قد يكون السبب المباشر لنمو وارتفاع أرباح بعض البنوك.. بل إن الأمر المثير الآن هو اختفاء الحديث عن الديون المعدومة، وتلاشي أي انتباه عن خسائر في استثمارات خارجية أو ما شابهها. فالبنوك المحلية استغلت فترة الأزمة العالمية لتتخلص من كل مشكلاتها المتراكمة من سنوات سابقة، وأدمجتها في تداعيات هذه الأزمة، فالبنك الذي لديه خسائر في ديون غير قابلة للتحصيل، والآخر الذي لديه خسائر استثمارية في مجال معين، في الاعتقاد أن البنوك قد «صفت» كل خسائرها سواء الناجمة عن الأزمة أو الناجمة عن أداء تشغيلي ضعيف في رحاب هذه الأزمة. نمو القروض بمعدلات أوسع من الودائع من الأمور الملفتة للنظر أيضاً نمو القروض البنكية بمعدل 16.1 % في الثلاثة أرباع الحالية من 2012م عن مثيلتها بالعام الماضي، وذلك رغم أن الودائع لم تنمو سوى 12.9%.. وبالتالي فإن الموجودات لم تنمو أيضاً سوى 11.3 % .. أي حدث نمو في القروض من الموجودات القديمة أكثر منه من ودائع حالية للعام نفسه وهو ما يؤكد أن السياسة المتبناه حالياً تقوم على التوسع.