حين نحاول أن نتكلم، لا تخذلنا نوايانا البتة..، بل ربما تخذلنا بعض نوايا السامعين.. غالبا ما يحرص المتكلم أن يثبت أبعاده.. يجتر أنفاسا ويبثها، تخترق، وقد لا تخترق آذانهم..، يضجون، ويكون في محاولة إثبات أن ثمة مما قال قد استقر في سمعهم.. في محاولة التقاط ما قد قدرَت على تأويله ظنونهم.. كثيرا ما يجد أنه أحد ضحايا في مذبح ضبابهم.. الناس ليسوا كلهم أصفياء ليبلغهم الكلام صافيا كما خرج من صدر المتكلم..، ولا جميعهم أنقياء.. تذهب به الظنون بأنهم يعانون.. وأن معاناتهم عثرات دون بلوغ ما حاول أن يوصله إليهم هذا المتكلم..! إذ حتى خبر الموت حين يتكلم إليهم به..، يمكن أن يكون في ظنهم درءا للعين..! وحين يحاول الإصغاء إليهم يتعب كي يبلغ مراسيهم.. فمراكبهم.. ناس يقطعون عليه حبالها، فلا يبلغها..، لئلا يخوض بدفاتهم، ولا يعرف مرافئهم.. وبعضهم يتيهون أنفسهم عن خط المرفأ...، أو حلقة الحبال.. مراكبهم تتحرك في تيه، تأخذها مياه، وتلاعبها أمواج..! شباكهم مثقوبة، وصيدهم قد ساح في البحر من جديد..! حين يحاول أن يمضي،.. يترك الصخب..، والضجيج لا يبرأ من أصداء ضجيجهم..! لكنهم يكونون قد برأوا من كلامه... فكل البراح تحيط به أسوار تعيد الرجع إليه..! بينه وهم مسافات متشابكة مضاميرُها.. أما جيادها فتكر وتفر.. حتى تبلغ سدا منيعا.. الاختلاف بين المتكلم والسامع، ليس أذنا لا تسمع..، ومدارك لا تفهم، وقلبا لا يستوعب، وعقلا لا يعي.. بل هو نوايا، وظنون..، وهو تأويل، وتعليل.. فحين يتكلم، فثمة رحلة شائكة بين النوال، والخيبة.. والمشي، والتعثر.. والوصول، والتخلف.. والنجاح، والفشل..! فيمن يتكلم الذي «هو»، والسامع الذي «هم» بل بين لغة نيته..، ولغة سماعهم..! لغة أبعاده، ولغة تأويلهم.. أي بين النوايا عند الطرفين..! عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855