انخفاض أسعار المشتقات النفطية في المملكة مقارنة بأسعارها في الدول المجاورة أدى كما نعرف جميعا إلى ارتفاع خطير في وتيرة تهريبها نتج عنه بالضرورة نمو كبير غير حقيقي في الطلب المحلي على هذه المشتقات، بحيث أصبح إنتاج المملكة، رغم ضخامته، لا يكفي لتلبية الطلب المحلي واضطررنا للاستيراد. إلا أن مما قد لا يدركه الكثير منا.. أن هناك أشكالا أخرى عديدة لتهريب الوقود في المملكة وبتأثير اقتصادي سلبي أكبر وأكثر خطورة وإن كان بشكل غير مباشر. فالكثير من الأنشطة الإنتاجية في المملكة وعلى عكس ما قد يبدو من تحقيقها لنجاح ظاهري فهي تمثل في حقيقتها شكل من أشكال تهريب الوقود للخارج ولها دور كبير في ارتفاع معدل نمو الطلب المحلي على النفط. فالدعم الحكومي للكثير من الأنشطة الإنتاجية، خاصة التسعير المنخفض لمصادر الطاقة، ينتج عنه تشوه خطير في هيكلية تكاليف الإنتاج في هذه الأنشطة، بحيث يصبح من المجدي، ليس فقط التوسع في إنتاجها لتلبية الطلب المحلي، وإنما أيضا للتصدير للخارج، وهو ما يؤكد أن هذا الدعم مبالغ فيه تجاوز الحدود الملائمة، وهذا كله بسبب أنها لا تتحمل إلا جزء من التكلفة الفعلية للإنتاج نتيجة هذا الدعم الحكومي. على سبيل المثال، عندما يقوم منتج للورود في المملكة بتصدير منتجاته إلى هولندا أو نصبح بلداً مصدراً لمنتجات الألبان والعصائر والمنتجات الزراعية للدول المجاورة ويحقق المنتجون أرباحاً كبيرة من ذلك فهذا مؤشر خطير على استغلال متدني الكفاءة لمصادر الطاقة ومواردنا النادرة الأخرى، تتحول معه هذه الأنشطة الإنتاجية إلى أنشطة تسهم في تهريب الوقود إنما بطريقة غير مباشرة على شكل منتجات ظننا خطأ أنها تمثل نجاحاً وتميزاً حققه قطاع إنتاجي معين بينما هي في حقيقتها مصدر استنزاف لمواردنا الناضبة. أيضا عندما يوجد لدينا صناعة تصديرية مثل الصناعة البتروكيماوية تقوم على مجرد كونها تحصل على الغاز والنفط الخام بسعر متدن مقارنة بسعره في السوق العالمية ثم نتوهم أننا أصبحنا بذلك نملك ميزة تنافسية في هذا القطاع فإن هذا السعر المتدني لا يتسبب فقط في جعل منتجات هذا القطاع قادرة على المنافسة خارجيا بصورة مصطنعة وإنما أيضا يتسبب في وأد أي حافز لدى هذه الصناعة للانتقال إلى مراحل إنتاج أعلى بمنتجات أكثر تقدماً وتطورا، ما أبقى هذه الصناعة حبيسة المنتجات الأولية البدائية محدودة القيمة المضافة، وجعل هذه الصناعة في حقيقتها شكل من أشكال تهريب الوقود للخارج، باعتبار أن الغاز المهدر في هذه الصناعة لو وجه بدلاً عن ذلك إلى إنتاج الكهرباء وتحلية المياه لوفرنا حوالي مليون برميل من النفط الخام تحرق يوميا قيمتها في السوق العالمية تبلغ عشرات أضاعف أرباح هذه الصناعة. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam