برغم النمو المعرفي والتمازج البشري والتقدم الحضاري الذي وصل إليه الإنسان؛ إلا أن بعض الناس لايزال يستمرئ إطلاق الألفاظ السيئة ولو على سبيل المزاح والطرفة. وغالباً ما تكون تلك الألفاظ خارجة عن الأدب والذوق العام والأخلاق الإسلامية الرفيعة والشيم العربية الأصيلة. وأصبح من المعتاد عند البعض أن يشتم بلا حياء، ويلعن بلا خجل، برغم ما في ذلك من تجاوزات ومحاذير شرعية. يقول سيد الخلق وإمام الأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن باللعان، ولا بالطعان، ولا بالفاحش، ولا بالبذيء). والملاحظ نشوء هذه الظاهرة لدى الجيل الجديد وعند الشباب من الذكور على وجه التحديد. والعجيب أن المرء لا يرى فيها غضاضة حين يسمع من يشتم أمه أو أباه أو حتى دينه وقد يصل الشتم للأموات، وترى الآخر يبادله الشتم ويغرقان في ضحك متواصل دون أن يشعرا بفداحة الفعل وسوء السلوك! وتظهر تلك الألفاظ السيئة غالباً في البيئة الجاهلة، والطبقات الاقتصادية الدنيا، ولا يعني انعدامها لدى المتعلمين والمثقفين والأغنياء، بل تكون بدرجة أقل. وغالباً يبدأ ظهورها لدى الأطفال وبين الطلبة في المدارس، وإن لم تواجه بالمنع والإرشاد فإنها تنتشر بطريقة استفزازية. ولا شك أن الأطفال تصنعهم التربية الأسرية وتصقلهم البيئة المدرسية. وكثيراً ما ترى شخصاً تعجبك هيئته وهندامه وما أن يبدأ في الكلام حتى تتفاجأ ببذاءة لسانه، وسوء اختيار ألفاظه وفساد أوصافه حين يشبِّه أصدقاءه وأقاربه وحتى أولاده بصفات قبيحة، فلا يسميهم بأسمائهم أو ألقابهم أو كناهم (فهذا المتين وذاك الدلخ، والآخر الغبي). وغيرها من الأوصاف المقذعة التي لو سمعها أحدهم لقتلته الحسرة وطحنه الغضب!! وتراه يتعمد الجرح أثناء الحديث بالاستهتار والسخرية بهم ويطلق لسانه في تتبع عورات الناس ونقاط ضعفهم. ولا ريب أن بذاءة اللسان من سوء الخلق ولا يجني صاحبها إلا كره الناس وتجنبهم الجلوس عنده ومبادلته الحديث أو الدخول معه في نقاش أو حوار. ويعزى استخدام الألفاظ السيئة إما لسوء التربية أو قلة الدين أو ضعف الشخصية، حيث يعدها البعض وسيلة دفاع عن النفس ويستخدمها الضعفاء غالباً، أو ممن لديهم عاهات أو نوازع شر تنطوي عليها أفئدتهم. يقول ابن القيم: (القلوب كالقدور، والألسن مغاريفها، فإذا أردت أن تعرف شخصاً فارقبه حتى يتكلم، فإذا تكلم ظهر على لسانه ما كان في قلبه، إذا كان في قلبه خير ظهر على لسانه، وإن كان قلبه مليئاً بالشر ظهر على لسانه، فالناس أوعية مختومة ومفاتيحها ألسنتها). وأسوأ الألفاظ القبيحة ما صدرت من الآباء والمعلمين، حيث تبعث على الحسرة والألم، سيما أن هؤلاء ممن يُرجى منهم التربية والحلم والتوجيه، وينظر لهم كونهم القدوة والأسوة الحسنة إلا أن ما يدعو للخيبة أن تبدر منهم تلك الألفاظ ويقف أمامهم الناشئة وقوف الضعيف المتحير ممن وضعهم في القمة فرآهم يتهاوون ويصغرون أمام ناظريه، فيحار أحدهم جواباً ويصمت متحسراً على أب أو أم أو معلم تتطاير الحروف النابية من لسانه، وفي كل حرف يفقد رمزاً عظيماً، ويتمنى لو أنه سكت، لتبقى بقية من كرامة واحترام!!.