في يوم الاثنين 8 - 11 - 1433ه ودعت قبيلة قحطان ومحافظة المزاحمية رجلا من رجالاتها، وفارساً من فرسانها، وشيخا من مشايخ قحطان آل سعد إلى مثواه الأخير وهو الشيخ محمد بن عبد العزيز آل لبدة - رحمه الله رحمة واسعة - وألهمنا وألهم أهله الصبر والسلوان. ولا يسعني إلا أن أتقدم لأخيه الشيخ نايف، وأخيه الفريق فيصل وأخيه الشيخ فيحان وأبنائه وكل أفراد أسرته وقبيلته بأحر التعازي وصادق المواساة، ووافر الدعاء بأن يتغمده الله برحمته، وأن يجعل الله قبره روضة من رياض الجنة ولا أقول إلا كما علمنا ربنا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. كيف لا نحزن؟! والفقيد بحجم أبي عبد العزيز، الذي لم تفقده عشيرته وقبيلته، بل فقده الكرم والطيب، وبكى عليه التسامح والجود. عرفته منذ ثلاثين عاماً أو يزيد، لم يتغير أو يتبدل كان الكرم عنوانه، والجود من خصاله، والسمت من صفاته، والتواضع من أخلاقه. اذكر صفاته فأتذكر أبيات أبي تمام: تَعَوَّدَ بَسطَ الكَفِّ حَتّى لَو أَنَّهُ ثَناها لِقَبضٍ لَم تُجِبهُ أَنامِلُه ترَاه إذا ما جئته متهللا كأنَّك تُعطيهِ الذي أنتَ آمِلُهُ وَلَو لَم يَكُن في كَفِّهِ غَيرُ روحِهِ لَجادَ بِها فَليَتَّقِ اللَهَ سائِلُه هو البحر من أيّ النواحي أتيتَهُ فلُجّتُهُ المعروفُ والجودُ ساحلُهُ عرفته في منزل الصديق محمد بن جديع أطال الله عمره، ومنذ ذلك الحين وأنا أحد طلابه في مدرسته مدرسة الجود والكرم والطيب والتسامح. إذا تحدث أسرك طيب حديثه وكلامه، وإذا سكت عرفت قيمة الذهب في سكوته وإنصاته. عرفته مستمعاً للصغير والكبير، عرفته متواضعاً للغني والفقير. لم أره إلا ساعيا في صلح، أو ماضيا في عمل خير. رحمه الله فقد ترك تاريخا حافلا بالطيب نذر نفسه لأعمال الخير والإصلاح بين الخصوم، تارة بالمال، وتارة بالجاه، يشد الرحال بين المناطق والمحافظات مصلحاً بين المتخاصمين بسياسة لا يجيدها إلا هو. نسي نفسه وضرب بمصالحه الشخصية عرض الحائط، كل همه الصلح، مردداً: (والصلح خير) سواء كانت المشكلة في قبيلته قحطان أو غيرها من القبائل. تأتيه تريد أن تستضيفه وتكرمه، فإذا بك ضيف في منزله، لا يلتفت للمدح، ولا يطلب من أحد الثناء، فهو يريد الأجر من الله، فاللهم أجزل له المثوبة والأجر. كنت قريبا من المشكلات التي يسعى لحلها، فلم يسع في مشكلة إلا وفك عقدتها، وأنهى وجودها، وبدد حيرتها، وأزال غمتها. إذا رأيته تعجبت كثيراً من تواضعه في ملبسه، ومسكنه، ومأكله. لقد كان مجلسه مفتوحا مشرعة أبوابه، للقريب والبعيد، منذ بزوغ الفجر إلى بعد العشاء، ولا تجد في مجلسه إلا الحكمة، والطيب الذي يشع من وجهه قبل أن يثور من مداخنه التي تدور في مجلسه. تزوره من اليوم للآخر فيسأل عن حالك وحال من تعرف كأنه لم يرك منذ عام، محتفياً بك بطلاقة وجهه المضيء. وسأورد قصصا تدل على كرم أخلاقه ونبل طباعه وصفاته، منها أنه سعى يوماً في الصلح بين قبيلتين، ورفضت إحدى القبيلتين الصلح، فرجع الشيخ محمد حزينا مكسورا لا لأنها ردت جاهته، بل لأنه لم يوفق في الصلح بينهما، فتدخل أحد الرجال في الموضوع، وأنهى المشكلة، ففرح بذلك فرحاً شديداً، وكأنه من أنهى المشكلة، وأصلح بينهما، ولم يكتف بذلك بل حضر احتفالية الصلح، فأي خلق نبيل تحمله يا أبا عبد العزيز!. ومن المواقف أيضاً أذكر أنني سعيت في الإصلاح بين متخاصمين، وطلبت منه أن يحضر معنا وقت الصلح، فوافق وحضر، واعتذرت إحدى القبيلتين من أبي عبد العزيز لأنهم لم يأتوا له في بداية الأمر لإنهاء الخلاف، فقال عندي خبر وأنا الذي أرسلت لكم ولدي دليم وأنا وهو واحد، فأي تواضع هذا الذي تملكه! ومن القصص أيضاً التي تدل على حب الناس له، وتقديرهم إياه، أنه سعى في صلح بين قبيلتين في محافظة تثليث وأنهى المشكلة في الزيارة الأولى، وكانت هناك مشكلة في الوقت نفسه بين قبيلتين فقرر العودة مرة ثانية لمحافظة تثليث لإنهاء الخلاف على الرغم من ظروفه الصحية، لكن الأجل وافاه قبل عودته، فما إن سمعت القبيلتين بذلك الخبر المحزن، إلا وقاموا بإنهاء الخلاف بينهما تقديراً لمكانة أبي عبد العزيز، فلله دره! قد كان مصلحاً حياً وميتاً. لم يكن همه إلا الصلح، لم يحمل في قلبه غير حب الله، وحب الخير للناس. رحمك الله يا أبا عبد العزيز رحمة واسعة. أسأل الله أن يعوضنا في إخوتك وأبنائك خيرا فهم العزاء لنا بعدك، فقد تعلموا في مدرستك، ونهلوا من نبعك، وسيسيرون على دربك - إن شاء الله - . أخيراً أسأل الله العظيم أن يجعل كل ما قمت به في ميزان حسناتك، وأن يسكنك الفردوس الأعلى مع محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام. اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك فقِه فتنة القبر وعذاب النار، أنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اغفر له في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين. دليم بن زابن الشبوي القحطاني - رئيس الغرفة التجارية في محافظة المزاحمية