تقف تلك الصغيرة في عز صيف أغسطس أشعة الشمس لم ترحمها تنتعل حذاءً بلاستيكياً تزيده الحرارة حدة وقسوة ليحرق أقدام الصغيرة لا تستطيع الفرار فهي الأقدار، تبتلع ريقها الذي قارب على الانتهاء بصعوبة بالغة تضع يديها الصغيرتين على خصرها النحيل، تتصبّر وتصبر، ترتدي قميصاً أبيض اللون تقطعت أطرافه بفعل عوامل الزمن، وبنطلوناً لا تعرف إن كان لونه أبيض أم أسود وكأنه يترجم حياة البؤس لم تعرف يوماً الألوان ربما يعجبها بعض المرات زرقة السماء أو عتمة الليل عندما تبدأ النجوم باللمعان. تنظر للبعيد وتتوسل المارة بإعطائها النقود أو بعض فتات الخبز، تمد يدها كل يوم بنفس الصورة والطريقة لجلب عطف المارة، لكن هذه المرة أشعة الشمس حارقة... تهذي الصغيرة، أريد ماء، لا أحد يجيب كل المارين من هنا مشغولون منهم الجائعون، والتائهون ومنهم من يحمل الحقيبة، لا يعلم أي اتجاه يذهب تصبّر الصغيرة نفسها، اصمدي لم يعد سوى ساعات قليلة وتغيب الشمس، سترزقين بطعام وفير تتخيل صورة أخيها الصغير تبتسم، تضحك تزداد قوة، صلابة تردد، سأطلب من كل المارة بقوة وإلحاح حتماً هناك قلوب رحيمة ترفع صوتها المتعب وقد اكتسى قوة مفاجئة سأجعل أمي تفرح وسنأكل كثيراً وألعب مع أخي الصغير حتى يُغمى علي سأنام بحضن أمي سأستنشق رائحتها العطرة وألتمس الدفء من قلبها تشاهد رجلاً تجاوز الثلاثين يرتدي بدلة أنيقة، وسيارته الفارهة غطت مساحة من المكان سيدي، سيدي الله يخلي لك أولادك، أحتاج بعض النقود أمي، أخي الصغير الذي لم يتجاوز السنتين، لم يأكلا منذ يومين أتحمل أنا، لكن أمي متعبة، وأخي لم يكف عن البكاء من ليلة أمس لم يتأخر السيد كثيراً ابتسم في وجهها المتعب، والعرق يتساقط من جبينها الصغير زودها بمبلغ لم تكن تحلم به شهراً كاملاً تبادله نظرات التعجب وقد عقد لسانها لحظات شكراً شكراً سيدي السيد: لا عليك صغيرتي، اذهبي للدار، أشعة الشمس لا ترحم صغيراً ولا كبيراً الصغيرة: اعتدت سيدي الوقوف هنا كل يوم، أنا قوية هكذا تقول أمي السيد: أين والدك؟ الصغيرة: أعطاك عمره السيد: منذ متى؟ الصغيرة: منذ سنة ونصف السنة سيدي السيد: كيف؟ الصغيرة: حادث سيارة، كان يتسول بين المارة وتفاجأ بظهور سيارة مسرعة أمامه ارتطمت به ومات السيد: لا حول ولا قوة إلا بالله تركض الصغيرة وقد ارتسم على ملامحها فرح الدنيا هذا المبلغ سيفرح أمي كما تخيلت سأمكث في الدار شهراً كاملاً ألعب، وألعب مع أخي سنتغدى، ونتعشى، لا، لا، سنفطر أولاً، ثم نتغدى ونتعشى سأجعل أمي تشتري لي حذاء واحداً فقط، نعم واحد يكفي، كي أقف كل يوم بقوة وأتحمل حرارة الشمس، وقبعة صغيرة لا يهم أن تكون كبيرة، نعم صغيرة لتحجب أشعة الشمس عني، تردد بعض العبارات والكلمات التي غيبتها عن المارة، فلم تلاحظ أحداً، تركض، تركض فقط دوى صوت محرك السيارة جعل كل المارة يتوقفون رائحة الفرامل انتشرت في المكان الصراخ يعلو، توقف، توقف، الصغيرة هنا يعم الحزن الموت المكان ينزل صاحب السيارة وقد علت ملامحه الجزع والخوف ليشاهد طفلة لم تتجاوز 11 سنة قابعة تحت عجلات السيارة في يدها بعض النقود التي تناثرت هنا وهناك وقد تناثر معها الحلم والأمل. هيفاء صفوق