o «إهداء إلى روح صديقي الشاعر الراحل «متعب عيسى» الذي ما مات عندي وما زال عندي حياً وأنيقاً» البارحة يا «متعب» زارني طيفك من تخوم الغياب الطويل، كنت حينها أنيقاً وبهياً، وفيك عذوبة، ولك ضي وفي، وبك عطر، وتلبس حله خضراء، ويصبغ وجهك البياض، لك تموج خطوط، وتمنح لون البياض بياض، مبهج كنت ورمز قوة، كنت متناسقاً ولك مضامين معرفية ودهشة وذهول، لك صلابة جمعتها مع رقة متناهية، لك ضوء، ونوافذ مفتوحة، كاللوحة التي تشعرك بعدم الاكتفاء من الغوص داخلها، فهي تتركنا نتحاور بلغتها اللونية، فنتعلق ببراءة طقوسها وبراعة حركة خطوطها وألوانها، كنت تعيش حالات الحب والألم والفرح والحزن في انعكاس تجريدي إيحائي تتأثر بها العين الحداة والدامعة في آن، البارحة يا «متعب» الرصيف بعدك تكسر، والجمل تعثر، والحلم مال، والحديقة الغناء ماتت، والرؤى الجميلة بعدك اهتزت، والحقل أصبح عاقراً، والشجر صار عارياً في طرقات الأنين، النافذة صارت بعدك ضيقة، والمرايا بعدك يعلوها الغبار، يا «متعب» كنت باراً ورحيمًا ونبيلاً وتعطي كغيمة ونخلة، كنت حقل حنطة، وبستان عنب، ومزرعة تفاح، وربيعاً بهياً، وموسماً للمطر، وقصيدة للفرح، غيمة هاطلة كنت، ضحكة عادلة، وباباً للحياة ونافذة عطر ومعطف، كنت موسماً ومرسماً، وماء وعافية، وأرضاً تهامس العشب، أين مررت يدك نحو القصائد تميل القصائد غيمة ماطرة، لم تكن مجرد سراب، كنت مزنة واعدة، وموجة حالمة، وشهقة فرح، وسيمفونية عاقبة، يا «متعب» الموت ضريبة الحياة، وموتك فاجعة لي ويتم، فقدك هو الفقد، وخسارتي بك لم تزل فادحة وكبيرة، الحياة بدونك لا يمكن أن تكون عميقة وجذابة، بعدك أزداد القبح قبحاً، والظلام قتامة، يا «متعب» أيها الراحل المدهش خسارتي فيك لا تعد ولا تحصى، وحده طيفك ينير لي العتمة، عذب أنت، نهر أنت، وحدك تسكن قلبي، تحاصره من كل الاتجاهات، شأنك غير، وغيمك غير، ورذاذك لا يشبه كل الرذاذ، يا «متعب» كنت تحمل المعنى وتطوف بين الناس، وتجول شوارع المدينة باندفاع خجول، تبحث عن الوجوه التائهة في الظلام الكبير، تتأملهم، تحضنهم بلا زيف ولا أقنعة، وتمسح دموعهم بمناديل الأمل، وحدك تقود قطيع الضوء داخل الروح وخارجها، لهذا من الآن هادئاً ونظيفاً، فقد دفنوك ضوءاً، وسيبقى اسمك عندي لغة أنيقة وحية.. يا «متعب» جنود حزني عليك وضعوا لي المصيدة، حتى احتلت الدمعة الحرى قلعة العين، وصنعوا لي كسراً في الضلع، وخدشاً كبيراً في جلد الذاكرة، وما تركوا لي سبيلا أن أزيد ترنيمة الحرف التي وددت أن أخطها لك،لأن حزني عليك صار شديد الوطأة، نهاره ليس كليله الذي أعشقه، وأنت الذي ما مت عندي، لأنك مازلت عندي لحماً ودماً وذئباً يغني. [email protected] ramadanjready @