لقد رحل نايف بن عبدالعزيز، بعد حياة ملؤها الابتسامة والخير والعطاء والزرع والقطف والحصاد، سقانا والوطن حتى ارتوينا، أخذنا نحو مصبات المياه ولون الأرض والشمس وأوراق التوت وهامات النخيل، احتوانا بذراعيه وسورنا بالدعة والأمن ومنحنا الغيوم البيض وصد عنا الرياح العاتية، مشغول كان بنا حتى غرقنا في النوم بدلال، لم يكن به ضجر ولا ملل ولا تعب، كان مثل الحلم وبساتين الفرح وفراشة الروض، كان الأمير العاشق، يتكلم بلغة هادئة متزنة خالية من الهذيان، وبنصوص لها دليل على حالة الوجد والشوق والألفة والثبات، عمود الأمن نايف وسوره العظيم وأسلاكه الشائكة والشجرة الكبيرة الوارفة وحامل الهموم العظام المنخرط في تفاصيل الوطن والمتدفق في تربته ورمله، إنه الأمير اللافت المميز، صاحب الوصف والتمكن، العارف لتشكيل الأشياء والدلالات والألوان، صاحب التميز الخاص والفنتازيا الخاصة، والوجه الخاص، نايف بن عبد العزيز كان شمعة من شموع التاريخ، ولازمة من لوازم الحياة، مهمته إشعال الشموع، وتبديد الظلام، وتهدئة النفوس، وتضميد الجراح، وفتح النوافذ لقطرات الندى، وضوء الشمس، والغيمة المتهادية، شكل البياض -نايف- ودهشته ولونه، موقظ الليل، وهازم الخفافيش الثقال السمان، ومزيح الخرافة والخنوع والنكوص والأذى، لقد رحل نايف بن عبدالعزيز بعد أن أخذ الوطن معه بنخوة نحو قرص الشمس، وتسور حوله درع ومحراب، عانق به الغيمة وامتزج معه بالمطر، لاذ به بشوق يشبه سحر النشوة، وتوهج به كنافورة عطر، حتى جعله عالياً لا تمسه الرياح العتية ولا ضربات الشمس، وأصبح وطنا ليس رخوا ولا منكسرا وليس به ارتخاء، وطنا متشحا ببرد الحدائق والورد والأقحوان، وشدو البلابل ورن الجناجل ومثل ماء الجداول، وطنا زاد ضوؤه حتى أصبح ضوئه منسدلا على كافة أطراف الدنيا، فيا أيها الأمير الراحل الجليل، يا الذي أشعلت شموع الأمان، يا الذي كنت سيفا وذئبا ونسرا، ستبقى لدينا رغم رحيلك كضوء الصباح، وكالعطر والروض ولون الحناء، فلا تبتئس، ونم هانئا، فنحن بعدك للوطن فداء. [email protected]