وحدة البلاد التي أُعلنت في سنة 1351ه، ثمرة كفاح وحروب ومعارك وانتصارات وخسائر ونهب وشبع وجوع وخوف وطمع، يصحب كلّ ذلك الأمل في توحيد البلاد، وإبعادها عن شبح الخوف، والرّسو بها على ميناء الأمان، وهذا ما فعله الملك عبدالعزيز، فقد جاهد الظالم لينصف المظلوم ويردّ إليه حقه، فقد كان الظُّلم شرعاً في نظر بعض الظالمين والكسب حقاً للظالم، وإنْ أُخِذَ ظُلماً من المظلوم الذي لا حول له ولا قوّة، بل إنّ فئة من الناس تعتمد في قوتها على النهب والسرقة وتسمِّيهما كسباً، وقد كانت القرى تعاني من هجمات المجاورين، فبنت الأسوار وشيّدت الأبراج التي يرابط فيها المدافعون عن بلدهم، فالأبواب تُغلَق ليلاً وتُفتح صباحاً، وقد أنعم الله على هذه البلاد في آخر عهد الملك عبدالعزيز باكتشاف النفط، فبدأ التعليم يتوسّع، وفي عهد الملك سعود تقلّص الفقر، وانتشر التعليم، وحُوربت الأمراض، ودام التقدم في محاربة الآفات الثلاث الفقر والجهل والمرض في عهد الملك فيصل وعهد الملك خالد وعهد الملك فهد، ولا زال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - أعزّه الله - يلتمس لشعبه رغد العيش وتوافر التعليم لجميع أفراد شعبه، وحِرصُه الشديد على رعاية مصالح الناس بَرَزَ في الإعفاءات التي تُعلَن في وسائل الإعلام، ما بين وقت وآخر، مما أثلج الصدور بأنّ من أُسند إليه عمل فليس بمنأى عن المتابعة ومراقبة أدائه، فمصالح الناس أمانة في عنق المسؤول، أقسم عليها أمام وليّ الأمر، فإذا أخلّ بقسمه فإنّ الإعفاء أقلّ شيء في حقه، وقد أشعر الملك - حفظه الله - عموم شعبه أنّ خدمة الوطن مقدمة على تقدير المسؤول، والضّجر الذي يعاني منه كثير من الناس نلمسه في بعض المصالح الحكومية التي لها علاقة مباشرة بالصحة أو التعليم أو المعيشة أو الماء أو الكهرباء، فمعاناة المَرْضَى من عدم توافر سرير في المستشفيات مستمرة، ومستوصفات كثير من الأحياء مستأجرة منذ ثلاثين سنة، وهي في حالة تجاوزها الزمن، والناس يتحدثون عن أمراض وزارة الصحة ويرون أنها أمراض مستعصية، ومعاناة الناس من انقطاع الكهرباء أمرٌ يحتاج إلى العلاج، كما أنّ توافر الماء لا يختلف عليه اثنان، فاليوم الوطني يعتز فيه المواطن بوطنه ولكنه ينتظر ممّن وُكِلَ إليه خدمة الوطن في أيّ مجال أن يخدم وطنه كما أراد له خادم الحرمين الشريفين، فخادم الحرمين الشريفين وفّر للمسؤول المال وقال له اعمل، فإذا مرّت سنوات وهذا المسؤولم ينجز للوطن ما أراد خادم الحرمين الشريفين فهو عاجز عن الأداء. إنّ المسؤولية أمانة تُضاف لها قُدرات، فإذا كان المال قد توافر ولله الحمد، فيجب علينا أن نعمل وننجز. إنّ الإنجازات ولله الحمد كثيرة وملموسة، منها ثمرات الابتعاث ومشاريع جازان التي جلبت للمواطن الرفاهية في مسكنه وتعليمه ومعيشته، فقد أُنجزت مدن حديثة بُنيت لمن فقدوا مساكنهم على أثر حرب الحدّ الجنوبي، وإنجاز هذه المشروعات دليل على حرص الدولة على راحة المواطن، وأنّ الوطن والمواطن تحت نظر خادم الحرمين الشريفين، ثم إنّ جامعة جازان تشقُّ طريقها بثبات، فهي من جامعات المملكة الكبرى، فمرحباً بهذا التقدم، وجامعة نجران من الجامعات الناشئة ولكنها احتلّت مكانة سامية في نهجها وخططها المستقبلية، وقد كان التفات خادم الحرمين الشريفين إلى إنشاء جامعات في المحافظات مثل جامعة المجمعة وجامعة شقراء وجامعة الأمير سلمان في الخرج، محل تقدير من قِبل المواطنين، فهذه الجامعات تخفّف من اتجاه الطلاب إلى جامعات مدينة الرياض، بالإضافة إلى أنّ تلك الجامعات تكون عاملاً في تثبيت السكان في مناطقهم، والتقليل من النزوح إلى المدن الكبرى، فمن عاش في مدينته أو قريته ألِفَها ورغب العيش فيها، ومن غادرها إلى المدينة الأُم استمرأ العيش في المدينة الكبيرة ولم يَعُد إلى مدينته الصغيرة أو قريته، وهذا أمرٌ مُشَاهَد، فكثير من الذين نزحوا إلى المدن مرهونون بحالتهم الآنية، فهم راضون بعيشهم بعد الانتقال مع حنينهم إلى بلدانهم، ولكن ذاك الحنين لن يرجعهم إلى بلدانهم لارتباطاتهم الأُسرية والتعليمية والوظيفية، فلو بقوا في بلدانهم لأصبحت ارتباطاتهم عاملاً قوّياً في البقاء وعدم النزوح. إنّ المدن الكبرى تمدّدت إلى غير نهاية مثل مدينة الرياض ومدينة جدةوالمدينة المثلّثة (الدمام - الظهران - الخبر)، فمن يصدِّق أنّ مدينة الرياض افترشت جبل طويق وامتدت إلى سفوح العرمة ثم تسلّقت الجبل ولم تكتف بالسفوح، ومن يصدق أنها التهمت القرى المجاورة مثل بنبان والعمارية والدرعية وعرقة والحاير ومنفوحة وغيرها، إنها مدينة المائة كيل طولاً وعرضاً. ومن المنجزات التي يفخر بها المواطن في اليوم الوطني، يقظة رجال الأمن وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية، فهذه الضربات الاستباقية للمخرِّبين والمفجِّرين تُعَدُّ مكسباً لما حققته البلاد في مجالات مختلفة، ثم إنّ معالجة الأحداث في المنطقة الشرقية بتؤدة وتراخٍ من قِبل الدولة، أبقى تلك الأحداث في أحجامها الفردية، مما ضيّق الخناق على الإعلام المُعَادي الذي يسعى إلى وجود مادة لإعلامه بأيّ ثمن فيحوّل الأعمال الفردية إلى أعمال جماعية، إنها معالجة يقدِّرها المنصف وتلجم أفواه الإعلام المُعَادي. إنّ أمن الوطن نصب عينيْ خادم الحرمين الشريفين، ولذلك وَكَلَ الإشراف عليه إلى المتمرِّس في معالجة الشؤون الأمنية في بلادنا العزيزة من الطوال جنوباً إلى جديدة عرعر شمالاً، ومن جزر البحر الأحمر غرباً إلى جزر الخليج العربي شرقاً. إنّ بلادنا عزيزة وآمنة وهي سند للجار والمحتاج على مدى سنوات مرت، وهي سائرة في طريق الخير والمساعدة، فالمملكة تؤازر المظلومين، ولذلك فهي تقدم الدعم للفلسطينيين، وللاجئين السوريين في الأردن وتركيا، وقد عانت المملكة من استضافة اللاجئين العراقيين في الأرطاوية ورفحاء، فمعسكر رفحاء الذي استضاف العراقيين لسنوات طويلة أعطى المملكة خبرة في هذا المجال، فهي تقدِّر ما يقوم به الأردن، وما تقوم به تركيا من خدمة اللاجئين السوريين، فرعاية هؤلاء لا تتوقّف على تأمين الغذاء، بل تتعدّاه إلى التعليم والخدمات الصحية وحفظ الأمن. ونحتفل باليوم الوطني ومنجزات المشاعر تتوالى في الإنجاز، فهذه البلاد قِبْلَة المسلمين، وقد اسْتَشْعَرَتْ القيادة مكانة المملكة في العالم الإسلامي، فبذلت الغالي والنفيس في توسيع الحرم المكي ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المدينةالمنورة، وخدمت المشاعر ولا زالت تخدمها بمشروعات يُرَى تطوُّرها في كلِّ عام. ولا ننسى في هذه المناسبة العزيزة (سلطان ونايف) -رحمهما الله- اللذين كانا ملء السَّمع والبصر لكلِّ مواطن، وقد احتفلا بهذا اليوم في العام الماضي، وقد أرادت قدرة الله أن لا يشهدا هذا اليوم في هذا العام، لقد خدم سلطان ونايف الوطن على مدى نصف قرن، وقد قدم لهما الوطن ما يستحقان من الثناء وطلب المغفرة، فلم يبق لهما إلاّ الدعاء من أبناء الوطن، وقد قام سلمان وأحمد مقامهما في خدمة الوطن، فلهما منا الدعاء، فخدمة الوطن تتطلَّب الصبر والعمل الدؤوب، أعانهما الله على تحمُّل أعباء الوطن. أعان الله خادم الحرمين ووليَّ عهده وكلَّ مسؤول يبذل جهده في خدمة الوطن والمواطن.