يقول الشاعر العربي ابن الرومي في قصيدة يصف فيها حال الإِنسان مع الوطن: قد ألِفَته النفسُ حتى كأنهُ لها جَسَدٌ إن بانَ غُودِرَ هالكا هذا البيت أفضل بيتٍ يصوّر العلاقة بين المرءِ ووطنهِ، علاقة تمتاز بالشعور الداخلي والنفسي التراكمي الذي يستحيل معه وجود البديل، علاقة تتجاوز المكتسبات والمزايا التي يجدها الإنسان في وطنه إلى قيم راسخة لا يمنحها سواه، ومن المعلوم بالضرورة أن وجود علاقة كهذه لا تستلزم القبول بالأخطاء وغضِّ البصر عن مواطن القصور والإخفاقات، بل إنّ صدق الشعور في الأولى يؤكِّده صدق العمل في الأخرى. لكنَّ المؤمنَ ب»الوطن» وقيمته قطعًا كيسٌ فطنٌ! قبل أيام سبقت اليوم الوطني لبلادنا لاحظت نشاطًا محمومًا في شبكات التواصل الاجتماعي لقصص وحكايا تنسج ومقارنات وطرائف تروى كلّّها تحط من قيمة الوطن ورموزه تاريخًا وتجربةً ومكتسبات، بالطبع لا أقصد النقد الموضوعي والعلمي البناء، فهو في نظري جزءٌ من ردِّ الدَّين إلى الوطن والوفاء بواجبه، لكن المبالغة والتسطيح واللغو لإشاعة اليأس ودفع النَّاس إلى الحزن والكفر بيوم وطنهم ومكتسباته من بوابة النقد يتجاوز العمل العفوي البرئ إلى القصد الذي لا يخطئه راصدٌ! لا أجد في يوم الوطن رسالة أبعثها إلى المسؤول أكثر من تذكيره بأمانته في الحفاظ على جذوة الأمل في أرض الوطن بين أبناء الوطن... لا أجد رسالة أبعثها إليه أكثر من التعاهد على أداءٍ يعزِّز اليقين بالمستقبل في نفوسنا، فالمسؤول الحامي للأمل في بلادنا هو من يعمل لتكون كلمة الوطن هي العليا دون محسوبيات ولا تحيّز لطرفٍ دون طرفٍ، هو من يحمي حقوق المواطن ويحقِّق أحلامه بإِنْجاز ما يتحدث ويعد به خادم الحرمين الشريفين، الذي أعلن قولاً وعملاً أن رضى المواطن ورفاهيته أولى أولوياته وسقف تطلعاته، في يوم الوطن نقول للمسؤول: إن احتفالك لن يكون معنا سوى بالعمل، ثمَّ العمل، ثمَّ العمل.. أما المواطن فله من نسيج حروفي في هذا اليوم أيضًا كلمات صادقة... (الله الله أن يؤتى الوطن من قبلك)، ... أبدًا خطوة الإصلاح التي ترتجيها بنفسك وأسرتك ومن تعول، أدعوك في شمال الوطن وجنوبه.. في شرقه وغربه ووسطه.. أن تملك من سمو النَّفس ما يرتفع بك عمَّن يغرس الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد، أدعوك أن تشد قبضة بيعتك لولاة أمرك فلا يتخطفك معسول الدعوات التي تمزج قليل الحق بكثير الباطل، أقول لك ولأختك المواطنة أيضًا: إن أيّ مسئول لن يعمل دون مشاركة فاعلة منكما، مشاركة تدعم الالتزام بالقانون والنظام والتواصل مع الجهات المعنيَّة للإبلاغ عن كل خللٍ أو قصورٍ دون مبالغة ولا تشخيص ولا تغطيَّة، والأهمّ اليوم مع اتساع فضائنا الافتراضي أن تنبذوا وتحاصروا من ينتحلون أسماءكم وصوركم للانقضاض على فرحة الوطن في يومه بمبالغات ومزايدات تخلط المحكم بالمتشابه، والعسل بالسم، وتقديم العلاج بقتل المريض! ألا هل بلغت اللَّهمَّ فاشهد. عبر تويتر: fahadalajlan@