حين بويع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في السادس والعشرين من جمادى الآخرة عام 1426ه ملكاً على المملكة العربية السعودية لم يكن غريباً على المكان أو على المكانة القيادية التي تسنمها؛ فالملك عبدالله بن عبدالعزيز خبر القيادة الحصيفة بحنكته واستشرافاته وتطلعاته طوال فترة ولايته للعهد - حفظه الله -؛ ففي هذه المرحلة المديدة التي استغرقت أكثر من عشرين عاماً كان ينهض بأعباء الدولة في مراحل متعددة، وقد عمل على تطوير بلاده تبعاً للتحديات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، وعمل على أن تظل المملكة في ضمير كل أبنائها المخلصين، وأن تتبوأ مكانتها العالمية بوصفها قلب العالم الإسلامي النابض الذي يتابع قضايا العرب والمسلمين، ويعمل على معالجتها تبعاً للظروف الدولية. واستهل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عهده الكريم في العام 1426ه بجملة من الإصلاحات التي شكَّلت أساساً لمرحلة جديدة، تقوم على المكاشفة والشفافية والإعلاء من قيم الوطن المثلى، في الوحدة والبناء والسعي للتطوير، مع التمسك بالثوابت الدينية والوطنية. ولقد شكَّل الحوار بُعداً أساسياً من أبعاد القيادة لدى خادم الحرمين الشريفين، وتجلى هذا في إطلاقه وتأسيسه ودعمه الحوار الوطني من خلال إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في العام 1424ه، وتعزز ذلك فيما بعد باستلهام التجربة الحوارية الوطنية وإطلاق مبادرة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وإنشاء مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الديانات في النمسا. ولعل من يتأمل المشهد الحواري في المملكة بعد مرور ثمانية أعوام سوف يدرك في التو هذه النقلة الحوارية الفكرية التي أحدثها وجود مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بكل زخمه وفعالياته، التي تقدِّم لمختلف شرائح المجتمع منظومة من الآليات الحوارية المتعددة والمكثفة التي جابت مختلف مناطق المملكة، ووصلت لمختلف المؤسسات والأكاديميات والمدارس والقطاعات الوطنية المتعددة.. فلأول مرة في تاريخ الحوارات الفكرية يحدث أن يشارك المجتمع بمختلف أطيافه وشرائحه في حوار وطني شامل حول القضايا الوطنية. وقد عقد مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني منذ إنشائه حتى الآن تسعة لقاءات وطنية، هي (الوحدة الوطنية والعلاقات والمواثيق الدولية, الغلو والاعتدال, المرأة حقوقها وواجباتها، قضايا الشباب الواقع والتطلعات، نحن والآخر، التعليم وسبل التطوير، مجالات العمل والتوظيف، الخدمات الصحية، الإعلام الواقع وسبل التطوير). وكانت الحوارات - وما زالت - تقتصر على النخب. ولو تابعنا الفعاليات الحوارية التي تُعقد عربياً وإقليمياً ودولياً لوجدنا أنها تقتصر فحسب على شرائح المثقفين أو المفكرين أو السياسيين أو الكتّاب، بيد أن الحوار الوطني في المملكة يقدم صورته الزاهية المختلفة التي جعلت مختلف شرائح المجتمع تتواصل في حوار دائم مستمر حول مختلف القضايا الوطنية، وأيضاً حول القضايا التي تمس الأسرة والشباب والمرأة؛ حيث يفضي ذلك إلى بناء الإنسان وتأسيسه على قيم التسامح والاعتدال والوسطية، وهي القيم المنبثقة من ديننا الإسلامي أولاً، ومن قيم الحوار بطبيعته التواصلية التفاعلية. وفي سبيل نشر ثقافة الحوار بمختلف مفاهيمه وقيمه الاجتماعية والثقافية والفكرية والسيكولوجية والوطنية قام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بتنظيم جملة من البرامج والأنشطة والفعاليات الحوارية، تمثلت في عقد اللقاءات الوطنية للحوار الفكري مسبوقاً باللقاءات التحضيرية التي تجوب مختلف مناطق المملكة، إضافة إلى الخطابات الثقافية المتنوعة وعقد الندوات الثقافية والفكرية التي تسهم في استلهام الفاعليات الحوارية من جهة، ونشر ثقافة الحوار لدى مختلف شرائح المجتمع من جهة أخرى. وتمثل ذلك في عقد عدد من الندوات، من أبرزها: الإعلام والحوار الوطني، الصالونات الثقافية، الحوار الأسرى.. كما لم يغفل المركز الاهتمام بالشباب وقضايا الشباب وتخصيص أنشطة حوارية شبابية، تسهم فيها هذه الشريحة بأفكارها ورؤاها حول المستقبل. ومن خلال اللجنة الشبابية وقافلة الحوار وبرنامج سفير وبيادر ومشروع تمكين ومقاهي الحوار يقدم المركز برامجه في هذا الإطار، والتركيز على الفاعليات التدريبية وورش العمل، وعقد مجموعة كبيرة من دورات التدريب حول الحوار ومهارات الاتصال، استفاد منها حتى الآن أكثر من 800 ألف مواطن ومواطنة من المناطق كافة، ومن مختلف شرائح المجتمع. كما حرص المركز على عقد ندوات الحوار الأسري والعناية بإيصال وتفعيل ثقافة الحوار بين أفراد الأسرة السعودية، واعتبر هذه أحد أهم أهدافه التي أُنشئ من أجلها. كما واصل المركز جهوده الثقافية والتوعوية والحضارية من خلال إطلاق برامج «سفير» والمشاركة في الفاعليات الحوارية داخل المملكة وخارجها. كل ذلك من أجل تحقيق أهداف سامية ونبيلة، أُنشئ المركز لتحقيقها، وهي: - تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها عن طريق الحوار الفكري الهادف. - الإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء. - معالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها، وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته. - ترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع؛ ليصبح أسلوباً للحياة ومنهجاً للتعامل مع مختلف القضايا. - توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية. - تفعيل الحوار الوطني بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة. - تعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري مع المؤسسات والأفراد في الخارج. - بلورة رؤى استراتيجية للحوار الوطني، وضمان تفعيل مخرجاته.