«هذا ختام درر العلماء في هذه الزاوية وما أكثر الدرر والفوائد التي قالها أهل العلم في إرشاد الناس ودعوتهم إلى الهدى ونبذ الهوى، وهي درر متنوعة المشارب متعددة المآرب غير أن الذي يتأكد ذكره وإيراده عنهم في هذه الأيام، دعوتهم وحثهم على الاجتماع وبيان مفهوم الجماعة والإمامة والبعد عن الشبهات وإثارة الفتن ومحاربة الغلو والتطرف وحفظ الأمن، والسير على منهج السلف الصالح في الوسطية والاعتدال، وترك الخروج على الأئمة أو إثارة الناس وتهيجهم على ولاة أمورهم ومن هؤلاء العلماء الأفذاذ سماحة العلامة الفقيه المحدث شيخ الإسلام في زمانه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية المتوفى سنة 1420ه رحمه الله حيث ورد في مجموع فتاوى ومقالات لسماحته (8-213) ما نصه: « س/ يرى البعض: أن حال الفساد وصل في الأمة لدرجة لا يمكن تغييره إلا بالقوة وتهييج الناس على الحكام، وإبراز معايبهم، لينفروا عنهم، وللأسف فإن هؤلاء لا يتورعون عن دعوة الناس لهذا المنهج والحث عليه، ماذا يقول سماحتكم؟ ج/ هذا مذهب لا تقره الشريعة، لما فيه من مخالفة للنصوص الآمرة بالسمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، ولما فيه من الفساد العظيم والفوضى والإخلال بالأمن. والواجب عند ظهور المنكرات إنكارها بالأسلوب الشرعي، وبيان الأدلة الشرعية من غير عنف، ولا إنكار باليد إلا لمن تخوله الدولة ذلك، حرصاً على استتباب الأمن وعدم الفوضى، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، في المنشط والمكره ما لم يؤمر بمعصية الله). وقد بايع الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى ألا ينزعوا يداً من طاعة، إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. والمشروع في مثل هذه الحال: مناصحة ولاة الأمور، والتعاون معهم على البر والتقوى، والدعاء لهم بالتوفيق والإعانة على الخير، حتى يقل الشر ويكثر الخير. نسأل الله أن يصلح جميع ولاة أمر المسلمين، وأن يمنحهم البطانة الصالحة، وأن يكثر أعوانهم في الخير، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في عباده، إنه جواد كريم. « ونلحظ في هذه الفتوى أن الشيخ -رحمه الله- فصل في الجواب وأتى على ما لا بد منه لأهمية هذا الأمر وبين المنهج الشرعي الذي يجب اتباعه عند حلول الفتن ووجود الاختلاف والصراعات الداخلية حرصاً من الشيخ على جمع الكلمة والبعد عن الفوضى والاختلال الأمني وقرر الشيخ في جوابه ما يجب اتباعه والوقوف عنده حين يقدم بعض الناس الحماس والعواطف والأهواء على الدليل الشرعي، وحين تتخبط المفاهيم والأفكار وتتغلب على العقل الراجح الذي يعرف مقاصد الشرع في درء المفاسد وجلب المصالح حقاً إن هؤلاء العلماء مصابيح تضيء للناس طريق الحق فرحمهم الله وأسكنهم فراديس الجنان. والله ولي التوفيق. * وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية