تخيل هذا الموقف: أنت في حديقة ترفيهية، وحولك الألعاب والأزياء التنكرية والأصوات والأطفال، ترى بالونات معلقة هنا ودمى معلقة هناك، تلتفت وإذا بدمية برتقالية معلقة كأنها رجل، تتأملها فكأن وجهه وجه مومياء فرعونية محنطة، تلمسها فإذا بها.. تتفتت، وداخلها أعضاء بشرية. إنها جثة حقيقية وليست دمية! ماذا ستفعل في هذا الحال؟.. إنه موقف مفزع، لكنه حقيقي وحصل عام 1976م، والجثة تعود لرجل اسمه إلمر مكيردي، هو بطل هذه القصة العجيبة. إلمر رجل ولد في ولاية مين الأمريكية عام 1880م، ولم يكن ذا مهارات، فظل هائماً على وجهه حتى التحق بالجيش في الثلاثين من عمره، وحتى هناك لم يبدِ أي نوع من الكفاءة، وكان أرعناً في التعامل مع السلاح، ولما انتهت خدمته العسكرية وأيقن أنه لا عمل له قرر استخدام «مهاراته» ليصبح سارقاً شهيراً يشار إليه بالبنان.. يا له من طموح. هب إلى أول سرقاته بالمشاركة مع مجرمين آخرين صدقوا كلامه وظنوا أنه ماهر مع المتفجرات، فقَصَدَ خزينة كانت تحوي نقوداً من فضة في إحدى الشركات وفجّر باب الخزانة، غير أنه أساء تقدير الكمية فكان الانفجار قوياً، ولما انقشعت سحب الدخان نظروا فرأوا أنه دمر أربعة آلاف دولار من النقود الفضية وآنذاك فإن هذا المبلغ يساوي بقيمة العملة في عام 2010م قرابة 750 ألف ريال! وإذا بالفضة امتزجت بالجدران الحديدية، أخذوا أدواتهم يقتلعون المال من الجدران ولما اقترب الناس هرب اللصوص وليس معهم إلا أجسام فضية مخلوطة بالحديد، مقارنة مع ما كان يمكنهم أن يحملوه لو أن إلمر أحسن تقدير كمية المتفجرات! أدركوا حماقة صاحبهم فنبذوه، وصار إلمر وحده الآن، وبحث عن مجرمين آخرين يرافقهم ووجدهم وأكمل حياته هكذا، حتى هاجموا قطاراً ذات يوم وأتى رجال الشرطة وتبادلوا إطلاق النار مع إلمر الرافض للاستسلام حتى قُتل.. ظلّت جثته عند الحانوتي ولم يأت أحد لتسلّمها لأن إلمر عاش وحيداً، ولما انتهت الفترة القانونية قرر أن يتصرف بالجثة كما يشاء، فحوّلها إلى زينة! ولم يكن هذا نادراً آنذاك، فقام بتحنيطها وتحويها إلى مومياء وعالجها بالمواد الكيميائية لئلا تتحلل كما فَعَل قدماء المصريين، ووضع الحانوتي إلمر في واجهة المحل كدعاية لعمله، وظل إلمر معروضاً خمس سنين، ويبدو أن المومياء راقت لمسؤول في إحدى الحدائق الترفيهية، فزعم كاذباً أنه من أقارب إلمر وأنه يريد استلام جثمانه ليدفنه، فأعطوه المومياء وأخذها الرجل ووضعها جزءاً من المنتزه الترفيهي ليتفرج عليها الناس وذلك عام 1916م، وانتقلت المومياء من مكان لآخر، فهذا المنتزه يبيعه وذاك المكان يشتريه وهكذا، حتى مضت ستون سنة ونسي الناس تماماً أصل هذه المومياء وظنوا أنها دمية تشبه البشر، وعلى هذا الأساس اشتراها أحد متاحف الشمع عام 1971م، ثم عام 1976م كان أحد البرامج التلفازية يصور مشهداً في منتزه ترفيهي وقد اشتروا عدة تماثيل شمعية منها «تمثال» إلمر وعلقوه على أحد الأعمدة، وارتطم أحد العاملين بهذا التمثال وأفسد جزءاً منه، ولما التفت ليتأمله وإذا به يرى تمثالاً يشبه البشر، لونه برتقالي لامع، ولا شعر على وجهه ولا على رأسه وصار يشبه مومياءات الفراعنة البائدين، وبعد برهة رأى اليد تتفكك وأسفلها عظام بشرية، فهرعوا واستدعوا الشرطة والذين أكدوا أنها جثة وليست تمثالاً شمعياً، ولما فتح الطبيب الشرعيم إلمر وجد عُملة عمرها خمسون سنة وتذكرة تعود لمنتزه ترفيهي قديم، واتضح لهم تاريخه بعد المزيد من التحقيق.. وهكذا عام 1976م دفنوا إلمر في قبره وصبوا عليه الخرسانة ليمنعوا العابثين من نبش قبر إلمر، التمثال الشمعي الوحيد الذي حوى روحاً ذات يوم.