من المؤسف أن تضطر شركة سعودية كبرى متخصصة في المجال الغذائي إلى إعادة النَّظر في استثماراتها في دولة عربيَّة زراعيَّة والتوجُّه إلى بلد أجنبي هو الأرجنتين وذلك بسبب المعوّقات المعهودة التي تواجه المستثمرين الخليجيين والعرب كلَّما فكروا في الاستثمار في دولة عربيَّة، فلا زال العديد من البلدان العربيَّة عاجزًا تمامًا على التغلب على عراقيل الاستثمار التي تخلقها البيروقراطيات الحكوميَّة المحليّة. إن أي إنسان عربي متابع لأحوال الاستثمارات العربيَّة البينية يحزنه أن يفشل العرب في الاستفادة من التنوّع الهائل في مواردهم الاقتصاديَّة للوصول إلى مستويات أفضل في مجال التكامل الاقتصادي. وفي الحالة التي نشير إليها نحن نتحدث عن رغبة شركة سعودية، هي شركة المراعي، أن تستثمر في السودان لزراعة الأعلاف واستيرادها بدلاً من زراعتها هنا في المملكة وذلك لسبب وجيه هو شحّ المياه في بلادنا وتوافرها في السودان الشقيق مما يحقِّق مصلحة البلدين معًا. وقد أوضح مدير عام الشركة في مؤتمر صحفي مفتوح عقده في الرياض مؤخرًا أن المعوّقات التي واجهتها الشركة أجبرتها على التوجُّه إلى الأرجنتين والاستثمار هناك. فرغم بُعد المسافة، وجدت الشركة -بِكلِّ أسف- أن الاستثمار في الأرجنتين أقل تكلفة وأكبر عائدًا من الاستثمار في السودان. ومن باب حبِّ الاستطلاع رأيت أن أدخل مواقع بعض الصُّحف السودانية لقراءة ردود الأفعال المحليّة هناك، وكما توقعت فقد وجدت حيرة وخيبة أمل لدى المُعلِّقين والمتداخلين السودانيين مثلما لدينا، وهذا ما عكسته -على سبيل المثال- تعليقات القراء في موقع شبكة «الشروق» الفضائية السودانية. ويتزامن ذلك كلّّه مع وصول أول شحنة من المواشي الحية الأسترالية إلى ميناء جدة بعد انقطاع دام حوالي سنتين. وتتكون هذه الشحنة من خمس وسبعين ألف رأس من الأغنام وستة آلاف بقرة. ومن اللافت للانتباه أن السفير والملحق التجاري الأستراليين لدى المملكة كانا في مقدمة مستقبلي شحنة المواشي لأنّهما يدركان أهميَّة السوق السعوديَّة التي كانت تستورد سنويًّا أكثر من مليون رأس من المواشي الأسترالية قبل أن يتوَّقف الاستيراد. إن السودان الشقيق أقرب إلينا من الأرجنتين وأستراليا، سواء بمقاييس الجغرافيا أو بمقاييس المشاعر الوجدانية والروابط التي تجمع ما بين البلدين. ولكن ها هي تجربة أخرى تسقط من جديد على طريق التكامل الاقتصادي العربي؛ ومع ذلك لازلنا نسمع من يعتب على الخليجيين الذين يستثمرون خارج الوطن العربي، فيا ليت أن هذا الوطن العربي يصبح أكثر قدرة على استيعاب معنى «الاستثمار» وأنه فعل اقتصادي قبل أن يكون عواطف وأمنيات..!! [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض