وهي في الصف الخامس الابتدائي خاطبت راشيل كوري زملاءها في الفصل عن أمنياتها في الحياة قائلة: ((أنا هنا من أجل الأطفال الآخرين .. أنا هنا لأنني أهتم .. أنا هنا لأن الأطفال في كل أنحاء العالم يعانون .. ولأن هناك 45,000 شخص يموتون يومياً من الجوع! أنا هنا لأن أغلب هؤلاء الأشخاص هم أطفال .. علينا أن نفهم أن الفقراء حولنا في كل مكان .. ونحن نتجاهلهم! علينا أن نفهم أن بإمكاننا إيقاف هذه الوفيات! علينا أن نفهم أن الناس في دول العالم الثالث يفكرون .. يهتمون .. ويبتسمون .. ويبكون مثلنا تماماً! علينا أن نفهم أنهم مثلنا ونحن مثلهم .. حلمي هو القضاء على الجوع في العام 2000. حلمي هو أن نُعطي الفقراء فرصة. حلمي هو أن أنقذ ال 45,000 شخص الذين يموتون يومياً. يمكن لحلمي أن يصبح حقيقة، وسيصبح كذلك! إذا نظرنا للمستقبل، ورأينا الضوء الذي يُشرق من بعيد!)) قد يكون ما قالته راشيل آنذاك حماساً طفولياً اقتضته المناسبة! لكنها وبعد ذلك بسنوات ... وبنفس الحماس، وبنفس الإيمان بالآخر وحقه في الحياة سافرت الفتاة اليهودية الأمريكية الناشطة في حركة التضامن العالمية راشيل كوري لقطاع غزه بفلسطين المحتلة أثناء الانتفاضة الثانية، للمشاركة في الوقوف ضد الممارسات التعسفية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وتدمير منازلهم وممتلكاتهم عقاباً لهم على مقاومة الاحتلال. وفي السادس عشر من مارس 2003 قُتلت راشيل كوري بطريقة وحشية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مبانٍ مدنية لفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزّة. وادعى الجيش الإسرائيلي أن سائق الجرافة لم يتمكن من رؤية كوري .. وأُغلقت القضية. رغم أن شهود عيان أكدوا بأن سائق الجرافة الإسرائيلية تعمد دهس راشيل والمرور على جسدها بالجرافة مرتين أثناء محاولتها لإيقافه قبل أن يقوم بهدم منزل لمدنيين. وبعد معركة قضائية استغرقت نحو عامين ونصف عام، رفضت محكمة إسرائيلية الثلاثاء الماضي (28 أغسطس)، دعوى مدنية رفعتها عائلة كوري تؤكد فيها أن ابنتها قُتِلت نتيجة إهمال. ووصف القاضي الإسرائيلي مقتل كوري بأنه "حادث مؤسف"، بل واتهم الناشطة الراحلة وزملاءها من نشطاء السلام بأنهم ساعدوا الفلسطينيين على العمل ضد الجيش الإسرائيلي!! الشيء الوحيد غير العادي في هذه التبرئة،كما تقول مجلة فورين بولسي الأمريكية، "هو أن الضحية أمريكي. ولدى المحاكم الإسرائيلية والتحقيقات تاريخ طويل من الانتهاكات ضد الفلسطينيين والناشطين الأجانب والصحفيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو فرض عقوبات شكلية فقط على الأفراد العسكريين الذين ثبت قيامهم بعمليات خاطئة". وبتبرئة القتلة من الجريمة المتعمدة، قتلت إسرائيل راشيل كوري مرة أخرى، وجاء قرار القاضي الإسرائيلي "ضوءا أخضر" لجيش الاحتلال للإمعان في ارتكاب جرائمه وانتهاكات حقوق الإنسان دون عقاب. * نافذة صغيرة: [هناك تعاطف محدود مع "كوري" في المجتمع الأميركي وفي أوساط السياسيين خصوصاً، فقد نجحت إسرائيل ومؤيدوها في تشويه صورة الناشطين وإلصاق صفة أنصار الإرهاب ومثيري الشغب بهم. ونتيجة لذلك، فإن هذا القتل لا يلقى أي اهتمام في أوساط الرأي العام الأمريكي والخطاب السياسي. ومن المؤكد أن الحكم على الناشطة "كوري" لن يغير هذا الواقع.] فورين بولسي [email protected] [email protected]