استوقفتني وهي باسقة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ذات التاريخ العريق والماضي المشرق، المتميزة بالوفاء والعطاء، التي لم تتوان لحظة في تأدية رسالتها، ولم تقصر يوماً في شيء من واجباتها، وأجبرتني بقامتها الفارعة إلى الهيام في وادي الذكريات، وصفحات ماضي الحياة، يوم أن كانت ثروة البلاد ومصدر رزق العباد، فهي الشجرة المباركة الطيبة، التي لم تحظ شجرة في التاريخ بمثل ما حظيت به، ولم يكرم نبات مثلما أكرمت، فهي في عالم النبات كالفرس والجمل في عالم الحيوان، وما خدم الإنسان نبات مثلما خدمته، فقد اتخذ منها طعاماً، وأوقد ناراً، وصنع حبالاً، وبنى بيتاً، وصنع حصيراً، وغير ذلك من الفوائد الجمة، والمنافع المتعددة. ذكرتني بالله جل وعلا الذي جعلها وسيلة لإقناع الناس بوحدانيته، وآية تدل على بديع صنعه وعظيم قدرته، حيث قال جل وعلا: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ، يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، ذكرتني بخلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعلها لغزاً بين صحابته، كما في الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟)، يقول ابن عمر: فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت. قالوا: يا رسول الله أخبرنا بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي النخلة). قال عبد الله حدثت أبي بما وقع في نفسي فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا. إنها النخلة التي تثمر الغذاء المفيد المثالي للجسم، بل والدواء النافع بإذن الله تعالى، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)، وفي صحيح البخاري عن عامر بن سعد عن أبيه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل)، وقال غيره (سبع تمرات) أي أي تمرات، ولذلك رأى الشيخ ابن باز - رحمه الله - عموم أنواع التمر. إنها النخلة التي منَّ الله جل وعلا على بلادنا بوجودها، بل وبكثرتها، وطيب ثمرها، فينبغي أن نحرص عليها، ونهتم بها، ونحافظ عليها، ونستفيد منها، كما يستفيد غيرنا من شجر الزيتون، فهي بحق ثروة. حائل