بلدة أُشَيْقِر من أهم الأماكن التاريخية والسياحية بمنطقة الرياض، فهي معروفة منذ العصر الجاهلي، كما تُعدُّ عاصمة نجد العلمية قبل الدعوة، بها أقدم وثيقة نجدية (وقف صبيح سنة 747ه)، بالإضافة إلى إنجابها مجموعة من خيرة العلماء الذين اتصلوا بالشام والعراق ومصر، غنم أهلها ومن جاورها بعلمهم. لذا تلقب برحم نجد؛ لكثرة من خرج منها. كَذَلِكَ اشتهرت بتجارتها، كما تتمتع أَرْضها بتنوع تضاريسها، ففيها رمال وحافات صخرية، وسهول خصبة جعلتها من المناطق الزراعية بالمنطقة. الموقع تقع شمال محافظة شقراء (بميل نحو الغرب)، على بعد 12 كم بخط مستقيم. أما شقراء فتقع شمال غرب الرياض وعنها تبعد 170 كم بخط مستقيم، ووفقاً للتقسيم الإداري الذي صدر مؤخراً صُنِّفَتْ أُشَيْقِر مركزاً تابعاً لشقراء، والأخيرة صُنِّفَتْ محافظة فئة (أ) وتتبع حالياً لمنطقة الرياض الإدارية. أما إحداثيات الجامع الكبير في وسط أُشَيْقِر الحديثة فهي كالآتي: 25 ْ 20 َ 277 45 ْ 11 115 سبب التسمية سُميت أُشَيْقِر بهذا الأسم نسبة إلى جال أو ضلع يجاورها من الجهة الشمالية، لونه أشقر، ويطلق عليه البعض اسم: (جبل الأشقر)، أما عند البعض الآخر من أهل البلدة فهي تعرف ب (ضلع الجنينة). وفي نظري - كجغرافي - أن هذه الظاهرة يُطلق عليها اسم: (الكويستا). وسيأتي الحديث عنها بشيء من التفصيل. ) لمحة تاريخية كان لأُشَيْقِر ماضٍ تاريخي، كما كانت من المدن الرئيسة في نجد، لذا ورد ذكرها في بعض كتب البلدانين، كَذَلِكَ ذكرها الشعراء في العصر الجاهلي والإسلامي. وقد كان اسمها في الزمن القديم: (عكل)؛ نسبةً ل لبني عكل من تميم. قال ياقوت (ت 626 ه): أشَيقِر: بالضم ثم الفتح وياء ساكنة وكسر القاف وراء. واد بالحجاز. قال الحفصي الأشيقر جبل باليمامة وقرية لبني عكل.(1) وقال ابن بليهد (ت 1377ه): أشيقر: مَدِيْنَة عامرة، ذات نخيل وزروع، تحمل هذا الاسم إلى هذا العهد، موقعها شمالي قرى الوشم، وسكانها في هذا العهد أغلبهم بنو تميم، من الوهبة وغيرهم. وقد قال الحفصي: إنها قرية لبني عكل، وهو في قوله هذا صادق، لأن عزوتهم: أولاد عكل، إذا كان حرباً أو أموراً هامة انتدبوا بها: أولاد عكل. (2) وجاء في (بلاد العرب) للأصفهاني (ت310ه): وجُل الوشم لبني امريء القيس - ابن زيد مناة بن تميم - (مرآة )، و (ثرمداء)، (وأُفية)، و(القصيبة)، (3) و (ذات غسل)، و (الشقراء) و (وأشيقر) قال وأعظم بلاد تميم: (الوشم)، (الجواء)، (الصُّمَان)، (الدو) (4) و (السيدان). وقال في مكان آخر: ولعكل بالعالية مياه. منها: (مطلع)، و (الحفيرة)، ومياه عدة، ولهم بالوشم: (أشيقر)، وهي قريب من (الشقراء)، و (المنكدر) من طريق (البصرة) إلى (مكة) أهله تميم. (5) وقال ياقوت: الوشم ويُقال له الوشوم: موضع باليمامة يشتمل على أربع قرى ذكرناها في أماكنها ومنبرها الفقي، وإليها يخرج من حجر اليمامة وبين الوشم وقراه مسيرة ليلة وبينها وبين اليمامة ليلتان عن نصر، قال زياد بن منقذ: والوَشْمِ قَد خَرَجَتْ مِنْه وقابَلَها مِن الثَّنايا التي لَمْ أَقْلِها، ثَرَمُ وأخبرنا بدويٌّ من أهل تلك البلاد أن الوشم خمس قرى عليها سور واحد من لبن وفيها نخل وزرع لبني عائذ لآل مَزْيَد وقد يتفرع منهم، والقرية الجامعة فيها ثَرْمداءُ وبعدها شقراءُ وأشيقر وأبو الريش والمحمدية، وهي بين العارض والدهناء.(6) وقد تعقبه الشيخ ابن بليهد - يرحمه الله - فقال: الوشم أنا من أهله. ذكر ياقوت ثلاث قرى لا أعلمها اليوم وهي: (الفقي) و (أبو الريش) و(المحمدية) وثلاث هذه القرى لم يبق لها ذكر. والرواية التي ذكر في أولها: (وأخبرنا بدويٌّ من أهل تلك البلاد أن الوشم خمس قرى عليها سور واحد). فهذا أكبر خطأ، لأن كل بلد من تلك البلاد يبعد عن الآخر مسافة طويلة. وأما قوله: وهي بين العارض والدهناء فهذا خطأ، وقد أسقط ياقوت ثلاث قرى من قرى الوشم وهن من أقدمها، وهي بلد المؤلف (ذات غسل) وقد ذكرها ياقوت في موضعها، و (أثيثية) وقد ذكرها أيضاً في موضعها، وبلد (مراة) وقد ذكرها أيضاً في موضعها.(7) قُلْتُ: يظهر لي أن ياقوتاً يقصد بقوله: (الوشم خمس قرى عليها سور واحد)؛ أَي كل واحدة من هذه القرى عليها سور واحد، شأنها شأن القرى في جزيرة العرب، ولا سيما أن ياقوتاً أفادنا في أول كلامه بأن (بين الوشم وقراه مسيرة ليلة). وهذا يعني أن كل قرية تبعد عن الأخرى مسافة طويلة يستحيل أن يكون لها سور واحد. أما الْفَقْيَ فقد ذكرها الْهَمْدَانيُّ حين قال: ثم تَقَطَعُ الْفَقْيَ وتَيَامَنُ كأَنَّك تُريْدُ البصْرَةَ، فَتَردُ مُنيْخَيْنِ ثم الحَنْبليَّ، وهُمَا ماءَانِ، فَبِمُنِيْخَيْنِ نخلٌ قليلٌ، ولا نَخْلَ على الحنبليّ.(8) ويَقْصُدُ الْهَمْدَانيُّ بِمُنِيْخَيْنِ - كما يذكره الجاسِرْ: المَجْمعَة وحَرْمَة.(9) وأما أُشَيْقِر فهي بلد أجدادي، وهي - بلا شك عندي - بأنها لبني تميم. ولعل مما يؤكد ذلك مَا ذكره صاحب كتاب (صفة جزيرة العرب) حين قال: مسيرة رأس الركاء من ديار بني عقيل خمس أو ست، ومن ميامين أودية اليمامة نساح وملك ولحا، والعرض، في كلها قرى ميتة وحية ومن (قراها) قرقرى والهزمة والنهي ومياه السباعة والمحضة وقراها والبرثين والديار كلها ربّعية وهي بين بطن قف العارض وبين رملة الوركة إلى أقصى الوشوم فهي من عويند بني خديج فالرغام فرملة الحصادة فمنفوح فالبردان فثرمدا فذات غسل فالشقراء وأشيقر فراجعاً قصد الفروع فإلى مرأة فإلى بطن الأزرقة فإلى توضح فما رد غربهن وهو قفيف منقطع ممدود مد الحبل بلاد بني تميم فيها النخيل والقرى والزروع والبئار ثم ترجع في بطن العرض عرض بني عدي فأولها القريّ. (10) كَمَا جاء في موقع آخر في كتاب (صفة جزيرة العرب) للْهَمْدَانيُّ (ت 334ه) ما يؤكد أن أُشَيْقِرَ لبني تميم، وذَلِكَ عندما نقل قول الجرمي: الوشم من أَرْض اليمامة وهو للقراوشة من بني نمير وأول الوشم ثرمداء وأثيفية وهي لمعشر عمارة بن عقيل، وذات غسل قال الشاعر: أيا ذات غسل يعلم الله أنني لجوّك من بين البلاد صديق وأشيقر والشقراء وهما لبني تميم.(11) أيضاً أكد العمار أن بني تميم مستقرون في أُشَيْقِرِ منذ القدم، حين تعقب ياقوت بقوله: ذكر عموم الوشم لآل مزيد من عائذ، وهذا يعني أنهم خلفوا تميماً عليها. وبالأحرى أن تكون شقراء بالذات لآل مزيد، لأن بني تميم مستقرون في ثرمداء وأشيقر منذ القدم ولم يخلفهم أحد عليهما.(12) وبعد الرجوع لبعض المصادر تبين للباحث أنه وقع اختلاف في كتابة الاسم، فبعضهم يكتبها (أُشَيْقِر) وبعضهم سماها (أوشيقر) فأبدل الألف المضمومة بحرفي الألف والواو. ومنهم المغيري في كتابه الموسوم ب (المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب) إذ كتبها (أوشيقر) عند حديثه عن بيان تفريع أفخاذ الوهبة الذين منهم آل ثاني حكام قطر، والتعريف ببطونهم. حيث نقل لنا: وأمل آل راجح بن راجح بن عساكر بن بسام ابن عقبة بن ريس بن زاخر، فالمعروف منهم اليوم آل جاسر بن محمد بن جاسر البجادي المعروفون في شقرا، وفي أوشيقر. وآل عثمان بن محمد بن ناصر البجادي المعروفون في أوشيقر، وآل قهيدان المعروفون في أوشيقر. وآل خلف بن ناصر البجادي المعروفون في أوشيقر.(13) وعلى كل حال يظهر لي أنه لا إشكال في اختلاف في كتابة الاسم. وقد اشتهرت بلدة أُشَيْقِر بمجموعة من العلماء، لعل من أبرزهم ابن بسام (000 - 1040 ه = 000 - 1630 م) وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن بسام العتبي الوهيبي التميمي: قاض، ممن كتبوا في تاريخ نجد. من أهل أشيقر (من إقليم الوشم بنجد) ولي القضاء في بلدة (القصب) فمَدِيْنَة (ملهم) واستقدمه أمير (العيينة) إليها سنة 1015 ه فأقام إلى أن توفي بها. له (نبذة صغيرة، في أهم مَا حدث بنجد من سنة 1015 ه إلى 1039 ه) كانت عند إِبْرَاهِيم بن صالح بن عيسى، وجعلها من مصادر تاريخه.(14) كَذَلِكَ يُعدُّ الاشيقري من أهل أُشَيْقِر (000 - 1187 ه = 000 - 1774 م) وهو عبد المحسن بن علي الاشيقري: فقيه حنبلي. ولي الافتاء في الزبير (بقرب البصرة). كان موالياً لخصوم الدعوة الإصلاحية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في نجد، وله (تأليف) في الرد عليه. توفي بالطاعون في بلد الزبير.(15) أيضاً ولد المؤرخ ابن عيسى في بلدة أُشَيْقِر. وهو إِبْرَاهِيم بن صالح بن إِبْرَاهِيم بن محمد بن عبد الرحمن بن عيسى (1270 - 1343 ه = 1854 - 1925 م) مؤرخ نجدي. من قبيلة بني زيد (أهل شقراء) من قضاعة. ولد في بلدة أشيقر، وتعلم في بلده. وقام برحلات إلى الهند والأحساء والبصرة وغيرها. واستقر في (أُشَيْقِرِ) يقرئ طلبة العلم ويدون أخبار بلاده. وعرض عليه القضاء فاعتذر. وانتقل إلى مَدِيْنَة (عُنَيْزة) في القَصِيْمِ فتوفي بها. له (عقد الدرر، فيما وقع في نجد من الحوادث في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر) له بقية ما زالت مخطوطة في جزء، قال المستشرق فلبي إنه تسلمه من الأمير مساعد بن عبد الرحمن، و (تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد).(16) وجاء في معجم المؤلفين: إِبْرَاهِيم بن عيسي (توفي حوالي 1372 ه) (1953 م).. مؤرخ. من أهل أشيقر له تاريخ نجد، تناول فيه حقبة لم يؤرخها غيره من سنة 1282ه، حتى ولاية الملك عبد العزيز آل سعود طبع بدمشق 1372 ه.(17) وممن ذكر أُشَيْقِر من الرحالة المستشرقين لوليمر حين وصفها في دليل الخليج بقوله: القرية مسورة وبها ثلاثة مساجد وستة عشر محلاً تجارياً، وقد بنيت بالحجارة، وتحيط بها زراعة النخيل ويزرع بها الحبوب والفاكهة، والري من الآبار وهي جيدة يبلغ عمقها عشر قامات. كما ذكرها فلبي في كتابه جزيرة العرب الوهابيين عندما زارها عام 1336ه حيث قال: في بلدة أُشَيْقِر خاصة ترفع المياه الجوفية من خلال آبار عديدة بعضها ذو أعماق وأحجام كبيرة، وإحدى أكبر هذه الآبار اسمها: (السديس) على عمق سبع قامات حتى مستوى الماء، وفي فصل الجفاف ينخفض منسوب المياه إلى أربع عشر قامة، ويُقال إن مياهها دائمة أبداً ولا تجف، ويتغلب على ذلك برافعات خشبية ثقيلة مثل الساقية مثبت على جانبيها حوالي ست عشرة عجلة دائرية، ثمان على كل جانب وتتحرك دائريا كالبندول وتدار بمجوعة من البقر والجمال والحمير، هذا المنظر كان أقوى وأشد منظر رأيته في منطقة نجد.. ومما قاله: أما وادي النخيل فكان أكثر روعة من غيره في منطقة الوشم، وأما باقي الأشجار المثمرة فكانت أقل وضوحاً وتواجداً عما في مثلها في شقراء. كما رأيتُ مناطق كثيرة من الذرة والقمح، وكَذَلِكَ مناطق مزروعة باليقطين.(18) وخلال جولة الباحث الميدانية في المنطقة تم الكشف عن كتابات ثمودية ونقوش لأشكال متنوعة كثير منها أقرب ما يكون: (شمس) وهي متنوعة الأحجام. أيضاً تم الكشف عن دوائر حجرية مجوفة بأُشَيْقِر يندر أن نجد لها مثيلاً في جزيرة العرب. وسيتم نشر التفاصيل قريباً في الحلقة القادمة - إن شاء الله -. هذا ما عَنَّ لي قوله. والمِنْةُ مَنْ مَنَّ الله عليه بالإيمان. * باحث في الآثار والجغرافيا للتواصل: 0503982226 زرنا على الفيس بوك (تركي القهيدان) [email protected] (1) معجم البلدان - (ج1 - ص 135). (2) ابن بليهد، صحيح الأخبار. (3) تُدعى الآن: القصب. (4) ألدو تُعرف الآن ب(الدبدبة). (5) الأصفهاني، بلاد العرب. (6) معجم البلدان - (ج4 - ص 300). (7) ابن بليهد، صحيح الأخبار، ج4، ص252-253. (8) الهمداني، صفة جزيرة العرب، ص 286. (9) الجاسر، المنطقة الشرقية (البحرين قديماً)، القسم الثاني، ص 554. (10) صفة جزيرة العرب - (ج1 - ص71). (11) صفة جزيرة العرب - (ج1 - ص 83). (12) شقراء، ص 33. (13) المغيري، المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب - (ج1 - ص 68). (14) الأعلام للزركلي - (ج1 - ص 237). (15) الأعلام للزركلي - (ج4 - ص 151). (16) الأعلام للزركلي - (ج1 - ص 44). (17) معجم المؤلفين - (ج1 - ص72). (18) قناة البوادي، برنامج عن المنطقة بعنوان: (تاريخ منطقة).