فقدت بريدة صالح بن عبدالعزيز الغنيم، في اليوم الواحد والعشرين، من الشهر التاسع، سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة، عن عمر يناهز المائة وبضع سنين، وأديت صلاة الجنازة على روحه الطاهرة بعد صلاة التراويح بجامع الشيخ محمد بن عبدالوهاب بحي الخليج بمدينة بريدة. وُلد قبل سنة الرحمة ببضع سنين، وهي سنة من أشهر السنوات وأكثرها حضوراً عند أبناء نجد، لأنها السنة التي انتقل إليهم وباء الكوليرا الذي قتل أعداداً هائلة من أبنائهم، وهي السنة التي ولد قبلها ولم يصب بوبائها الذي قضى على كثير من أقرانه. وعاش حياة حافلة خلفت أكثر من خمسين ولداً وحفيداً، وذكراً طيباً في ألسنة أقرانه الذين عاصروه، والذين بقوا بعد وفاته؛ لأنه من الرجال الذين لهم حضور عند أبناء بريدة، وعند غيرهم من الذين تعاملوا معه في الحل والسفر. فالمتابع لحياته يجدها حياة حافلة منذ صغره، تعلَّم مبادئ القراءة والكتابة، والحساب داخل أسوار بريدة في كتّاب مبنية من الحجر والطين، ومسقوفة بخشب الأثل، غير مفروشة إلا فرش الحصير، وغير مكيفة إلا تكييف سعف النخيل، ولا وسائل تعليمية إلا ألواح الخشب، ولا أقلام إلا أقلام الشجر، ولا حبر إلا الأصباغ. كما أنه من حفاظ الشعر العامي والألغاز المسلية، والأساطير الشعبية التي يسامر بها أقرانه داخل مجلسه الذي يتصدره بشب النار من حطب الغضاء، والأرطي، والسمر، وإعداد القهوة بدلالها القريشية، والرسلانية، والبغدادية وتقديمها لهم ولمن حضر من داخل بريدة وخارجها. وعُرف الغنيم بكرمه، وحبه لضيوفه الذين يحضرون إليه من بلدان بعيدة، حيث لا يخلو مجلسه من وجودهم، وإكرامهم، ومسامرتهم إلى أن يغادروا مسقط رأسه. التقيتُ به قبل أن يقعده المرض، وسرد عليّ أطرافاً من قصة حياته التي بقيت في ذاكرة سفره لأداء فريضة الحج سنة: ثمان وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة على سيارات المنصور، وهي ناقلات من موديلات، وأنواع، وماركات مختلفة، وعليها إقبال من المواطنين، وعن رحلته التي استغرقت أكثر من ثلاثة أيام عبر طرق غير مُعبدة، وعن حبه لحياة الصحراء، وهواية القنص، ومعرفة الصخور ومستلزماتها، ومواسم صيد الطيور، وعن مغامراته في شبابه في صيد الغزلان، والأرانب، والحباري، وعن ركوبه أشدة الإبل، وأسرجة الخيل، وبيديه مراكب الصخور تباريه السلق لمتابعة الصيد. وعُرف عنه أنه مرجع لهواة الصيد الذين يسألونه عن أنواع الطيور ومسمياتها، ومواسم هجرتها، وأماكن وجودها. وعن سفره إلى شرق آسيا لاستيراد الملابس وعقود اللؤلؤ، ودهن العود، وسلع شرقية يبيعها في أسواق بريدة القديمة. وعن عمله في الثمانيات من الهجرة بالاتصالات السعودية، وخبرته التي تُعد مرجعاً لمن عمل بعده إلى أن أُحيل على التقاعد، وواصل حياته العائلية في لمِّ شمل عائلته، وتواصله معهم في أفراحهم وأحزانهم. هذا، وحظيت عائلته باتصالين من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة القصيم وصاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل نائب أمير منطقة القصيم، وقدما تعازيهما ومواساتهما لعائلة ابن الفقيد الدكتور حمد رئيس المجلس البلدي في أمانة منطقة القصيم، ومدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بمنطقة القصيم، وسألا الله الرحمة والرضوان لفقيدهم. وشكر الدكتور الغنيم سموهما على مواساتهما الطيبة في فقيدهم، واللحمة الوطنية التي جسدها سموهما لأبنائهما المواطنين في السراء والضراء. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. بريدة -نادي القصيم الأدبي