توفيت والدتي ظهر يوم الخميس، العشرين من شهر محرم، سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة، بعد عارض صحي أدخلها مستشفى الملك فهد التخصصي بمدينة بريدة، وباتت فيه قرابة خمسة عشر يوماً، لتتلقى العلاج ومتابعة حالتها الصحية التي ازدادت بفضل الله تحسناً، واتصلت بي قبل ساعة من وفاتها أن أحضر إليها لأطلب من الطبيب المناوب الإذن بخروجها من المستشفى، لأنها بحالة صحية جيدة..، إلا أنها ازدادت تأزماً بسبب هبوط دورة الدم استدعى حضوري إليها بالهاتف من المسؤولين في إدارة خدمة المجتمع الذين حرصوا على أن أقابل الطبيب المناوب داخل قسم التنويم الذي ترقد فيه، واتجهت مسرعاً لمقابلة الطبيب، وسألته عن سبب استدعائي؟ فلم يرد على إلا بعد أن أكثرت الإلحاح، وقلت: أنا مؤمن بقضاء الله وقدره، ومن الأفضل أن أعرف سبب حضوري بوقتٍ غير وقت الزيارة، وحرصت على مقابلتي، وهي قبل ساعة تنتظرني لكي أخرجها من المستشفى لتحسن صحتها..! فرفع رأسه من طاولة مكتبه، ونظر إلي نظرة أحسست أن خلفها خبر لا يستطيع أن يخبرني به لهول المصيبة التي من الصعب أن أتقبلها إلا أن استماعه بإيماني بقضاء الله وقدره قال: البقية في حياتك، فانطوى لساني إلا من الرجوع إلى الله والتوكل عليه، والدعاء لها بالرحمة، وأسرعت إلى الغرفة المنومة فيها، وإذا برجل الأمن متوسطاً الباب، لكيلا يدخل أحد من أبنائها وبناتها وتكون صدمة لهم، فأخبرته أني ابنها، وإني على علمٍ بوفاتها، فأذن بالدخول ووجدتها مسجاة على السرير الأبيض، وألقيت نظرة إلى وجهها الذي يشع نوراً وأقبلت عليه وقبلت جبينها الذي ابتل من تساقط دموعي التي ازدادت تساقطاً، وسألت الله أن يتقبلها مع عباده الصالحين، فقد عاشت عمراً عابدة، زاهدة، صالحة، واصلة الرحم، هادئة الطباع، طيبة القلب، رقيقة العاطفة، نقية السريرة، سخية اليد..تركت مآثر حسنة من الصعب عبر هذه السطور أن أسردها، لأنها مدرسة علمتني صلة الرحم، وحب القريب، وإعانة المحتاج، ومساعدة المحروم.وألا أرد طلبا فيه خير، وإحسان، أكتب لأرثي والدتي التي تركت ذرية من خمسة أولاد وثلاث بنات شربوا من أخلاقها الفاضلة، واتصفوا بصفاتها الحميدة، وامتثلوا بمكارمها النبيلة.كما أن يوم وفاتها يوم مشهود من خلقٍ غفير من الذين وصلهم خبر الصلاة على روحها الطاهرة بعد مغرب اليوم الذي توفيت فيه، فأدوا الصلاة على روحها وحملها أولادها، وأحفادها، والمشيعون على الأكتاف إلىاحة المقبرة، وحملتها قلوب الذين لم تتمكن سواعدهم من حملها حزناً وألسنتهم دعاء وامتلأت ساحة المقبرة من المشيعين الذين لم يتمكنوا من الصلاة على روحها داخل الجامع وأدوا الصلاة في الساحة جماعة، وامتلأت سرادق العزاء في المقبرة من المعزين الذين حضروا أفراداً وجماعات لتقديم العزاء.هذا وحظيت أسرتنا بزيارة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، وصاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة القصيم، وقدما تعازيهم لأبناء الفقيدة ولأسرتها، وسألا الله الرحمة، والرضوان لفقيدتهم، وشكرت الأسرة سموهما على مشاعرهم الصادقة، ومواساتهم الطيبة في فقيدتهم، واللحمة الوطنية التي جسدها سموهما لأبنائهم المواطنين في السراء والضراء.. ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. أحمد المنصور - بريدة - نادي القصيم الأدبي