انظر لقائمة الاتصال في جوالك, القروبات التي تنضم إليها عبر برنامج الواتساب, الفولونغ في تويتر, أصدقاء الفيس بوك. فإذا وجدتهم جميعاً من أشباهك فأنت بالطبع محدود, وتفضيْ إلى الانعزال عن الآخر - المختلف.. وقد تكون متطرّفاً ومتعصّباً أيضاً. إنّ التطرُّف نتيجة طبيعية للتقوقع على الذات ونبذ الآخر والاكتفاء بمن يشبهوننا, لأنّ العصا السحرية المسمّاة ب «التعايش» و تقبُّل الآخر توسِّع الأفق تلغي المحدودية بالتأكيد. وهذا ما تؤكده سيرة أي متطرِّف عبر التاريخ. « الحشاشون» على سبيل المثال, جماعة إسماعيلية, متطرّفة نشأت بعد انشقاق مؤسسها «حسن الصباح» عن جسد الدولة الفاطمية, واتخاذه قلعة « آلموت» مقراً له.. وهي قلعة معزولة بتضاريس وعرة تفصلها عن المدن المأهولة. جمَع «الصباح» أنصاره عن طريق خطف الصغار وجلبهم إلى القلعة وعزلهم تماماً عن المحيط الخارجي مما سهّل عليه تجنيدهم لصالحه, ومن ثم الإيعاز لهم بعمليات اغتيال مرتب لها مسبقاً. إنّ أسهل طريقة للتّلقين هي عزل الآخر عمّا يدور حوله.. ولنا أن ندرك أننا بعيدون زمنياً عن أن يمارس أحد ما عملية عزل متعمّدة علينا, لأنه بوجود الإنترنت وشبكات وبرامج الاتصال لم يَعُد لأحد ما قدرة على ذلك. لكننا نحن من نمارس على أنفسنا عزلاً غير مقصود, ونسمح للآخر بأن يوجّهونا تبع أجندة لا نتبينها!.. أحب كلمة «فولونج _ following» في تويتر, إنها توحي بأننا نملك الخيار الكامل بمتابعة من نريد, لكنها للبعض يجب أن تتغيّر من ( يتابع) إلى (يتبع/ going after). لأنّ الهدف من متابعة الآخر هو البحث عن إضافة معرفية وليس تبنّي اتجاه أو عقيدة مخالفة لنا.. لكن من يفرض على نفسه عزلاً عن الثقافات الأخرى سامحاً للآخرين أن يعبئوه ويغذّوه بمعلومات قد تكون خاطئة أو تتبع أجندة خاصة.. سيكون بالطبع مجرّد تابع وليس مُتابعاً. إنّ تويتر فرصة جيدة لتحليل الشخصيات ودراسة فئات المجتمع, وخلال انضمامي للمغرّدين تبيّنتُ أنّ هناك أشخاصاً منطوين على ذاتهم ويحيدون حيداً مبالغاً عن المرونة والتقبُّل، متجهين للتطرّف ومشحونين بالكراهية والإقصاء, ويفوّتون على أنفسهم أعظم فرصة للانفتاح ودخول فردوس «التعايش».. ماذا لو أننا فقط تجاوزنا القناة التي توصلنا للآخر، وتجشّمنا عناء معرفته بأنفسنا دونما وسيط. لو أننا استمعنا له، قرأناه بعد خلع نظارة الشحن الموروث أو المكتسب. لو أننا أضفنا اليوم لقوائمنا شخصاً كنا تفترض به السلبية. لما صنعنا من أنفسنا أذرعة لجسد آخر غير جسدنا؟! [email protected]