من الأخبار السيئة التي تلقيناها هذا الصيف، والتي لم تستفز عشاق كرة القدم فقط وإنما كل مواطن سعودي مخلص أن المنتخب السعودي لكرة القدم (دحدر) في تصنيف اتحاد كرة القدم العالمي للمنتخبات (الفيفا) إلى المرتبة 101، وهي منزلة متدنية لم يعرفها منتخبنا الكروي طوال تاريخه إطلاقاً، وكان منتخبنا عام 2004 قد احتل المرتبة 21 عالمياً. هذا السقوط المدوي لا يمكن أن يكون تراجعاً مبرراً نتيجة لخسارة مباراة أو مباراتين، أو بطولة أو بطولتين، أو نتيجة ظروف طارئة مثلاً، وإنما هو سقوط يشير إلى فشل صارخ للقائمين على الإشراف على (تنمية) المجالات الشبابية برمتها، يجب ألا يمر مرور الكرام، لأن هذا الانحدار المخجل لا بد وأنه يُخفي وراءه فشلاً ذريعاً لا يتوقف عند كرة القدم فحسب وإنما يمتد إلى غيرها من الألعاب المختلفة؛ على اعتبار أن نشاطات كرة القدم تحظى بأولوية (مطلقة) في نشاطات رعاية الشباب في المملكة، فكيف بالنشاطات الشبابية الأدنى في الأولوية؟.. كما أن خسارتنا من ليبيا، وتعادلنا مع فلسطين، في البطولة العربية الأخيرة، رغم ظروف هاتين الدولتين الحالية، يثير الكثير من علامات الاستفهام، ويجعل هذه القضية محلَّ تساؤل مُلح. كذلك فإن تدني مستويات الأندية في كثير من المسابقات الخارجية عند مقارنتها بما أنجزته في السابق خارجياً يؤكد أن ثمة مشاكل تراكمية حقيقية تمر بها الكرة على كافة المستويات في المملكة. لو تركنا الأرقام تتكلم، فإننا سنجد أن ما يُصرف اليوم على كرة القدم، ناهيك عن بقية نشاطات رعاية الشباب الأخرى، أعلى بكثير مما كان يُصرف عليها عندما كنا في المرتبة الواحدة والعشرين عالمياً، ما يجعل الأمر لا يحتمل إلا احتمالاً واحداً لا مفر من مواجهته وهو (فشل) سياسات الإشراف على هذه الألعاب عند المقارنة بمنجزاتها في الماضي. وأرجو ألا يخرج علينا أحد المسؤولين عن هذه اللعبة ليقول: إن هناك تقصيراً في اعتمادات التمويل والميزانية من قبل وزارة المالية، كما هي (حُجج) كثير من المسؤولين الحكوميين عندما يفشلون، فيُعلقون فشلهم على مشجب وزارة المالية؛ قد تكون هذه الحجة مقبولة في بعض المجالات التنموية الأخرى، إنما في المجال الكروي فمردودة تماماً. خذ -مثلاً- رواتب مدرب كرة القدم الحالي التي (يُقال) إنها تتراوح بين 37 مليون ريال سنوياً وقد تصل في بعض التقديرات إلى 96 مليون ريال، والسؤال: لنفترض -جدلاً- أنه الرقم الأقل 37 مليوناً، فهل يتناسب ترتيبنا الحالي بين منتخبات العالم مع هذه الأرقام؟ قد يقول قائل: إن هذه الأرقام غير صحيحة، وأنها أقل من ذلك بكثير.. طيب، لماذا لا يُعلن عن مُرتبه، وعن التكاليف الأخرى للمنتخب وغيره من المنتخبات، ليتسنى لنا على سبيل المثال والمقاربة مقارنتها بتكاليف المنتخبات الأخرى التي سبقتنا في الترتيب: (ليبيا: 39).. (مصر: 42).. (تونس: 43).. (إيران: 50)؛ لنرى أين الخلل على وجه التحديد؛ وكما أن (الشفافية) تفرض على المسؤولين إعلان دخل الاتحاد السعودي لكرة القدم من غير الميزانيات المعتمدة من قبل الحكومة، خاصة وأن هناك دخولاً أخرى تأتي من عقود الإعلانات (عقد زين مثلاً)، لا ندري هل تذهب هذه الدخول مباشرة إلى وزارة المالية كما هي إعلانات التلفزيون مثلاً أم إلى اتحاد كرة القدم دون أن يمر بوزارة المالية؟. فالشفافية والإفصاح هي (أولى) خطوات الإصلاح، وإعادة الركب إلى المسار الصحيح؛ أو على الأقل إلى قريب من مراكزنا السابقة في الترتيب العالمي للفيفا. وختاماً أقول: أنْ تسكت عن هذا الفشل، أو أن تتغاضى عنه، معنى ذلك أنك تُفرط في (إصلاح) قضية تنموية وطنية؛ وتعني أيضا أن هذا الانحدار سيبقى، بل ربما سيتفاقم الوضع أكثر؛ فلا بد من طرح هذه القضية على بساط البحث، والإشارة بوضوح وجرأة إلى مكمن هذه الأخطاء التي وصلت بنا إلى هذا المستوى المخجل؛ فالقضية لا تخص المهتمين بالكرة فحسب وإنما جميع المهتمين بالشأن (التنموي) في بلادنا؛ وكاتب المقال واحد من هؤلاء. إلى اللقاء.