مُتظاهر.. استلَفَ طِلاءً أحمر وَهّاجَاً من جاره، واشترى ثلاثة أمتار من القماش الأزرق المتين.. نصَفَ اللوحَ الدقيقَ بمنشارٍ عَثَرَ عليه في مخزن والده، ليقوم بعدها بخَطِّ شِعار المظاهرة ضِدَّ الحكومة بخطٍّ عريض. وَقَفَ أمام بابِ البيتِ بعد أن لفَّ الشعار وَفَلّ جزءاً منه حول بطنه، فشَعَرَ وكأنّه ظبيٌ سيقفز للمرّةِ الأولى، لكن النشْوَةَ لم تَدُم دقائق، حيث أرعبه جنديٌ ضخمٌ يضع يده على كتفه، ويسأله بوجهٍ غاضبٍ مُستفسِراً: - مِن أيّ حزبٍ أنت؟.. ارتجف وأَحسَّ بالورطة، وحين تباطأ الجندي رَدُّه أومأ لأصحابه فأخذوه في عَرَبَة المعتقلين. 2 نَهْرُ الثَورة.. أمَّةٌ منتفضةٌ في صباحٍ غاضبٍ، تعلو هتافاتها المُعارِضَة بحدّة، يحاول شَقيٌّ أن يَنسلّ بأمِّه المريضة من الطوفان البشريّ، ليسعفها قبل أن يسحقها الألم، وحين تمكّن من الوصول لمركزٍ صحيٍّ داخل حيّ صغيرٍ خلف الشارع الذي يجري فوقه نهر الثوّار، يُقبض عليه بتهمة دعم الثورة من داخل الأحياء الصغيرة. 3 طَعمُ النار.. جُثثٌ ملقاة تحت الأبنية وعلى جَنَبات الطرقات الضيّقة، يحاول لهب الدخان الهارب من جلودها أن يسترها، بعد أن أفرغت البنادق الطويلة بها شهوات الرصاص. يمرق من تحت الدخان هِرٌّ أدهمٌ مشجوج الرأس، ومقطوع نصف الذيل، يتبع رائحة الدم الصاعدة من جروح القتلى، يظفر بقطعة لحمٍ مُتدليّة من يد الجُثّة التي ألغت ملامحها وسائل التعذيب قبل قتلها، قَطَعها بنابين كلون الخشب، لينزوي بها تحت شاحنة الجنود ذات الطلاء الأخضر، ويمضي في أكلها بطعم الحروق، فانتبه أنّها الكفّ التي كانت تطعمه قِطَعَ اللحم، أطلق مُواءً صاخباً اسكتته شظيّة طاشت من انفجار بجانب الشاحنة. 4 صحيفة العَدُو.. قُتلت أمّها في مجرزةٍ خطّطها طاغية عربيّ وهي في سنواتها الثلاث، فرأى والدها أن يحميها من وابل الخطر، فَبَعَث بها إلى عمّتها في قرية بعيدة عن العاصمة التي مزّقتها المجزرة، ليشرع هو في مخبئ سريٍّ عن الحكومة في تدوين أخبارٍ عنه وعن أقاربه الذين مضغتهم آلة القتل. خَرَج بعدها ليجد الجيش يطوّق العاصمة بعد بَتْرِ خطوط الكهرباء، وَسَدِّ أنابيب الماء، وَحَجْب موارد الغذاء، أرعبه تكوّم النفايات التي تقف بقربها التظاهرات البشريّة، قرَّر العمل في صحيفة العدو، فقاطعه أقاربه واستبعدوا كُلَّ ما دَوّنه.