محمد آل الشيخ، صاحب زاوية «شيء من» في صحيفة الجزيرة السعودية قرّر أن يفصح عن المسكوت عنه داخل مهنة، الكلمة فيها عند البعض أمانة ومسؤولية، وعند البعض الآخر مجرد وسيلة للكسب والنجومية. آل الشيخ «فتح النار» على صحافة الارتزاق التي لا ترى في الإعلام الخليجي وعلى رأسه السعودي سوى فضاء للكسب المادي. عند بدء ما يسمى بالربيع العربي بدأ القارئ يكتشف تناقضات في المواقف داخل الصحيفة الواحدة، كان هناك المواقف المتّزنة التي تحاول تحليل ما يحصل وفهم معاني التحولات وانعكاساتها على المنطقة بأسرها، وكان هناك أيضا المواقف «الثورية» التي تخالها عند قراءتها أنها بيانات صادرة من شباب الثورة في ميدان التحرير. ما اكتشفه محمد آل الشيخ، ومعه الكثيرون، أن مواقف «الصحفيين الثوار» تغيّرت عندما اصطدمت بولاءاتهم الحقيقية وقناعاتهم الدفينة فافتضح أمرهم وارتعشت أقلامهم واتضح أن «الثورة» عندهم هي فقط بضاعة للاستهلاك والاسترزاق. ما بدأه آل الشيخ فتح شهية زملاء له، قالوا ما قال بل وذهبوا إلى أبعد مما أعلنه في زاويته التي تحولت زاوية وطنية بامتياز ضد المتلونين من بعض الصحافيين العرب الذين يعملون في الصحافة الخليجية والسعودية وينهجون غير نهجها ويؤمنون بغير قناعاتها ويناصرون أعداءها. يتساءل عبداللطيف الملحم في «اليوم» السعودية «لماذا نرى الصحافة السعودية تعطي مساحة للكتاب العرب من جميع الدول وصحف نفس الدول لا تعطي أي صحفي أو كاتب سعودي أي مساحة للكتابة وإبداء الرأي». ويضيف إن بعض الكتاب العرب الذين يكتبون في الصحافة السعودية من الممكن أن يتغير 180 درجة متى ما حدث حادث سياسي عرضي و تلاحظ تبدل جلده، مع أنه تدرب ولمع نجمه بسبب الصحافة السعودية. أما جاسر الجاسر في «الشرق» فقد أقرّ أن محمد آل الشيخ فتح بوابة سرية، وخاض منطقة كانت أقرب إلى القدسية، وكسر صمتاً دام عقوداً. وقال عن بعض الصحفيين العرب الذين حولهم الإعلام السعودي إلى نجوم «إن هذه النوعية من الكتّاب مثل المندوب السامي، تدير أمورنا، وتنصحنا في توجهاتنا، وتطلع على أسرارنا ثم سرعان ما تخوننا». الصحافة السعودية تعيش انفتاحا غير مسبوق لم تعد فيه الحاجة إلى «القلم الصديق» ليقول ما لا يمكن أن يقوله «القلم الوطني» لذلك كان لا بدّ أن يتم فتح الملفات القديمة المسكوت عنها. آل الشيخ كان البادئ وكانت «المجلة» في الموعد لتعرف موقفه من الجدل الذي أصبحت الصحف والمواقع الإلكترونية مسرحا له في معركته الصحفية مع الكاتب اللبناني جهاد الخازن.. وفي ما يلي نص الحوار: * كتبت في السعودية والكويت وغيرهما العديد من المقالات التي تنتقد مواقف بعض الكتاب العرب من الثورة السورية.. هل ترى هذا تغيرا جديدا في نهج الصحافة الخليجية والسعودية تحديدا، التي لطالما احتفت بهذه الأسماء؟ لم يكن لهؤلاء الصحافيين قط قيمة، لا في الماضي ولا في الحاضر، إلا أن ارتفاع سقف الحريات بالمملكة في عهد الملك عبدالله، أعطى الفعاليات الصحافية، كتاباً وصحفيين، مساحة كافية لتمييز هؤلاء. فبدلاً من أن مثل هذه الحقائق كانت تتداول في الوسط الصحفي، ظهرت إلى العلن. ليس أكثر من ذلك. وما وَجَدته مقالاتي ضد جهاد الخازن في صحافتنا من ترحيب واسع يؤكد ما أقول، اقرأ بعض المقالات، فقد ذهب بعضها إلى أبعد مما طرحت. * هل تعتقد أن هذه بداية مرحلة جديدة في العمل الصحافي في الخليج، أم مجرد قضية عابرة، وسنشهد أسماء جديدة عربية يحتفى بها ويتم تجاهل الأسماء السعودية؟ أعتقد أنها مرحلة جديدة بامتياز. وإن كان لأحد من فضل فهو للملك عبدالله الذي أعطانا الفرصة لأن (نرفع رؤوسنا) ونُعبِّر عما يدور في أذهاننا تجاه قضايانا، وندافع عن بلادنا بأنفسنا، فقد انتهى زمن (الاستعانة بصديق) إلى غير رجعة. * موقفك المعارض لمواقف الخازن معلومة، وقد لمحت للمدرسة التي ينتمي إليها في مقالات قديمة.. لماذا اخترت الآن المكاشفة بشكل مباشر؟ لا أختلف مع جهاد الخازن لمجرد أن له وجهة نظر مغايرة لما أنا مقتنع به، وإنما لأنه يطرح نفسه من خلال مقالاته على أنه (صديق) للسعوديين، وتمتد علاقاته إلى النخبة، ويكتب في صحفنا، إلا أنه وبوضوح يتعمد أن يتخذ مواقف سياسية ليست متناقضة، وقميئة، وغير إنسانية، فحسب، وإنما تمس أمننا الوطني، بل وبقاءنا «نكون أو لا نكون».. خذ مثلاً موقفه الداعم للأسد في البداية، وموقفه الداعم لإيران لأن تتسلح نووياً، ناهيك عن دعمه المعروف ل»حزب الله»، كل هذه مواقف مترابطة وممنهجة، لا يمكن أن تكون مجرد وجهة نظر مغايرة فحسب، وإنما هي مواقف تستدعي (الشك) والريبة وعدم الاطمئنان. فإذا كان يزعم أن لديه علاقات صداقة قديمة ووطيدة بالنخب في المملكة، كما يؤكد في مقالاته (بمناسبة أو من دون مناسبة)، فكيف يُبرر موقفه الداعم لتسلح إيران نووياً، والوقوف مع الأسد ونظامه، رغم أن الجميع يعلم أن نظام الأسد مجرد حلقة في مشروع إيران التوسعي، أو موقفه المؤيد ل»حزب الله»، رغم أن الجميع يعلم أن هذا الحزب هو رأس حربة إيران في لبنان والمنطقة، أعرف أنه يطرح بعض المبررات، غير أن مبرراته أوهى من بيت العنكبوت، فهي لا تعدو أن تكون لمجرد ذر الرماد في العيون.. نعم، سبق وأن كتبت عنه تلميحاً، غير أن موقفه الداعم للأسد في بدايات صراعه مع انتفاضة شعبه، ثم انقلابه عليه، جعل الأمر لا يُحتمل، فاضطررت إلى مواجهته صراحة. * ولكنه يقول إن السبب في موقفه من إيران وسوريا وحزب الله، يعود إلى موقفهم المساند للقضية الفلسطينية، وهي قضية العرب المحورية. لماذا سكت عن الأسد رغم أن هضبة الجولان السورية محتلة منذ أربعين سنة، ولم يفعل الأسد، لا الأب ولا الابن، أي شيء لتحريرها كما هو معروف، فالجولان أهدأ جبهة عربية مع إسرائيل على الإطلاق. ثم إذا كان (يناضل) من أجل تحرير الأراضي المحتلة، فما قوله في احتلال إيران للجزر الإماراتية، أليست هذه أيضاً أرضاً عربية ومحتلة، أم أن العروبة هي فقط عروبةٌ تقاس بمعايير (عرب الشمال) وبقية العرب تبعٌ لهم ولثقافتهم وخدم لقضاياهم؟ ثم، وهذه نقطة محورية في الموضوع، إذا كانت قضية إسرائيل جوهرية ونحن نتفق معه في ذلك، كيف لا تكون قضية أمننا، بل وصراعنا مع العدو الفارسي الصفوي ليست قضية محورية؟ خلط الأوراق * قلت إن موقف الخازن المندد بالمجازر التي يرتكبها النظام السوري تأخر كثيرا بسبب حساب المصالح.. هل يمكن أن تشرح أكثر؟ الخازن، ومعه مجموعة من الكتاب أيضاً، كان في البداية على ما يظهر، يجزم أن نظام الأسد قادرٌ على قمع انتفاضة السوريين وتركيعهم، وكان يريد كعادته أن يستثمر في الرهان عليه، والوقوف معه، ليجني الثمن بعد القمع وهدوء العاصفة كأي صاحب مصالح. غير أن رهاناته باءت بالفشل الذريع، وتفاجأ كما تفاجأ غيره بصمود هذا الشعب الأبي هذا الصمود الأسطوري، فلما بدأت إرهاصات فشل رهاناته تلوح في الأفق، وتَبيّن له أن الأسد ونظامه ساقطان لا محالة، «قلب له ظهر المجن»، وحاول أن يخلط الأوراق، ويُراهن على أن ذاكرتنا وذاكرة السوريين الثوار ضعيفتان فغيّر موقفه، وكان ذلك سبب مقالي الأول، ويبدو أنني كشفت حقيقة كان يريد أن يواريها، فكان الغضب وكان اتهامه إياي بالكذب. غير أن الحقيقة مُوثقة ولا يمكن أن تحجب الشمس بغربال. * ما رأيك في حديث الخازن من أنه قام ب»نقد متدرج» حتى وصل نقطة اللا عودة؟ حكاية «النقد المتدرج» وكذلك «نقطة اللا عودة» مضحكة. فلا السوريون ولا نحن أغبياء، خاصة عندما قال في رده الأخير أنه لم ينتفض إلا بعد أن بلغ قتلى الثوار ب(الآلاف)، أي أنهم عندما كانوا ب(المئات) لم يقف معهم ولم يكترث بهم، وهذا تبرير بصراحة غبي، فضلاً على أنه ضعيف. الأمر الثاني أنَّ كل تاريخ الأسد وأبيه وقمعه وظلمه وجرائمه في سوريا ولبنان طوال الأربعين سنة الماضية، لم يتطرق لها الخازن ببنت شفة، وكأن القضية مجرد قضية (عابرة)، أزمة وتمر كما يُردد الإعلام السوري ومعه الإيرانيون وحزب الله، وليست ممتدة لأربعة عقود من الجرائم المتراكمة، ليس في سوريا فحسب، وإنما في لبنان أيضاً. عُد إلى (كل) مقالاته لتكتشف هذا المنحى بمنتهى الوضوح. * كيف ترد على الخازن الذي اتهمك بالجبن، لأنك تنتقد من الرياض، بينما هو تردد في نقده (النظام السوري) بسبب قربه من المكان؟ هو يعيش حياة مرفهة وباذخة في أوروبا كما يروي هو نفسه، وليس إطلاقاً قريباً من المكان كما تقول. قد أقبل مثل هذا العذر المختلق لو كان يعيش في(الضاحية) ببيروت مثلاً عند وحوش حزب الله، أما وهو يسكن أوروبا، ويكتب في صحفنا، فلا يمكن أن نقبل هذا التبرير الواهي. * وصفك الخازن ب»الكاذب» في رده الثاني... ما هو ردك على مثل هذا الوصف؟ بعد أن انكشف، وظهر على حقيقته، ليس أمامه إلا أن يصفني بالكذب بهذه الطريقة السمجة والمباشرة. ولأن البينة على من ادعى، فقد طرحت أجزاء من مقالاته تثبت ما أقول، وتؤكد أن الرجل في البداية كان يراهن على انتصار بشار، ثم حاول أن يتشبث بالمعارضة، لينقذ ما يمكن إنقاذه وهو يرى نظام بشار يتداعى، لكنه فشل بامتياز، فالناس، وأبطال سوريا ليسوا مغفلين كما يظن. * في رد الخازن الأخير كتب أنك تنتقد على الطريقة الإسرائيلية.. هذا اتهام صريح لك.. ما هو ردك عليه ولماذا وصفك بمثل هذا، وإلى أي حد يعبر هذا الوصف عن نهجك الصحافي الناقد للتوصيفات التخوينية؟ هي بالمناسبة نفس دفوع جميع من يقف مع بشار وحزب الله وإيران، ويناهض انتفاضة السوريين على ظلم نظام الأسد، كل من اختلف معهم، وكشفهم عن حقيقتهم، وصموه بأنه يدافع عن إسرائيل، ويمارس الطريقة الإسرائيلية. الخازن في طرحه هذا وتبريراته لا يعدو أن يكون إقحامه إسرائيل كذريعة، هو نفس أسلوب وطرح شبيحة الأسد الإعلاميين. * ألا يمكن اعتبار مثل هذا النقد بالجبن يطال الصحافة السعودية بشكل أوسع.. ما هو ردك؟ ربما. فهو مازال يعيش بعقلية السبعينات والثمانينات، ويكرر في كل مناسبة، أنه لا يقرأ الصحافة السعودية أو الخليجية، فإذا أحسنا به الظن (جدلاً) وصدقنا ما يقول، فهو آخر من يتحدث عن الحريات الصحافية في المملكة، لأنه لا يتابعها، فإن كان الحكم على الشيء جزء من تصوره، فكيف يحكم على الصحافة السعودية، وهو أبعد الناس عنها باعترافه؟ * قال الخازن في رده الثالث عليك، إنه لا يعرفك ولم يسمع باسمك يكذب، فقد اجتمعت به مرات عدة في الرياض، مع مجموعة من الزملاء والأصدقاء، لكنه أراد بطريقة (العاجز) أن يُقلل من قيمتي، وهذا لا يضيرني، فأنا لا أستقي قيمتي من رجل يبدل مواقفه حسب اتجاه الرياح. يشرفني أن هذه الطحالب لا تعرفني ولا تتذكرني. * هل ستكتب مستقبلاً عن أسماء أخرى؟ ليست قضيتي قضية أسماء، وإنما مواقف. من حاول أن يتلاعب صحافياً بأمننا الوطني، فمن واجبي وواجب كل سعودي يملك قلماً، أن يقف منه مثل موقفي من الخازن وغيره. المحرّر السياسي يتابع الشأن السياسي ويرصد الأخبار والتحولات السياسية في الوطن العربي والعالم. السياسة عند المحرّر السياسي ليست نقل الخبر فقط بل تتعداها إلى ما وراء الخبر.. كل خبر لا يرتبط بحياة الأفراد والشعوب والأمم لا يصلح أن يكون مادة جديرة بالتحليل أو المتابعة.