كتبت مراراً حول ضعف سياسة التكريم في مجتمعنا لمن خدم بكل إخلاص، وقلت إنه عندما نكرّم شخصية بعد وفاتها فذلك لا يعبّر إلا عن مجتمع يحاول تبرير تقاعسه، وتناسيه عمن كانت لهم أياد بيضاء في خدمة هذا الوطن، وذهبت إلى وجه بارئها، دون أن يعرف الكثيرون من الجيل الجديد عما قدمته تلك الشخصيات. هذا الأسبوع تُوفِّي واحد من تلك الرموز الكبيرة، بل هو قامة شامخة في مجال العمل الإداري، ناهيك عما يُعرف عنه من انضباط، نقله إلى كل من تعامل معه، إضافة إلى سمعته النزيهة، والعطرة، عندما نظَّم القطاع الجمركي، وأعني هنا المرحوم الأستاذ فهد الدغيثر. الأستاذ فهد (أبو زياد) درس الثانوية في لبنان، وتخرج من القاهرة، وعاد متسلحاً برغبة جامحة للتطوير الإداري، ونتيجة لذلك الحماس تسلَّم وظائف إدارية، سرعان ما أصبح مديراً لمعهد الإدارة، وللتذكير فإن معهد الإدارة أنشئ نتيجة توصيات استشاريين استُقدموا لتطوير العمل الحكومي، واكتشفوا سريعاً ضعف الكوادر الإدارية الموجودة في الأجهزة الحكومية، وأنه لا بد من إيجاد معهد خاص لتطوير القدرات القابلة للتطوير، ومن ثم، ولفترة طويلة في عقدي الستينيات والسبعينيات الميلادية، كان معهد الإدارة هو كلية تخريج القيادات الإدارية في المملكة، وذلك من خلال دورات المعهد، والابتعاث الخارجي، وأتذكر أنه - رحمه الله - قد قال لي مرة معلومة، وهو الشخص الذي يبتعد عن الافتخار فيما أنجزه، بأنه في عام ما، لا أتذكره، ولا أريد تخمينه، كان عدد مبتعثي معهد الإدارة للخارج أكبر من عدد مبتعثي وزارة المعارف!! رحم الله أبا زياد، وكان يمكن أن أختم بأن أقترح أن يسمى معهد الإدارة أهم معالمه باسمه، ولكن ذلك أسلوب تقليدي، غير مجدٍّ اليوم، فالتكريم الخاص به كان يجب أن يتم خلال حياته، وعلى كل حال أعرف أنه - رحمه الله - كان عزوفاً عن كل مظاهر التكريم، ولكن إلى متى نستمر، نحن المجتمع، في تجاهل رموزنا حتى مماتهم؟! مرة أخرى، رحم الله أبا زياد. [email protected]