كنت قد قلت لكم في المقالة السالفة إن البحر الميت (يحتضر) من خلال انخفاض منسوب المياه فيه لدرجة (1.5 متر) في السنة الواحدة. وقلت لكم أيضاً إن (سلطة المياه الأردنية) تفكر (جدياً) في إيصال (شريان مائي) يكون بمثابة حبل السرة) يمتد من البحر الأحمر إلى أخيه البحر الميت ليغذيه بالماء تماماً مثلما يتبرع الإنسان بالدم إلى أخيه الإنسان أو أحد الأقرباء أو الأصدقاء، بل وحتى (لله في الله)! وقلت لكم أيضاً - أي في المقابلة السابقة - إن (الربع) هناك في الأردن (بلشانين) جداً في كيفية سحب المياه من ذلك البحر الحيّ إلى ذلك البحر الميت، فهل يكون ذلك مثلاً عبر شق قناة مثل قناة السويس لتصل البحرين بعضهما ببعض. ثم ما المعوقات الجغرافية التي تعترض فكرة التنفيذ (جبال، أودية، مرتفعات.. إلخ). وقلت لكم سابقاً إن هذه التساؤلات المحيّرة كانت تُشغل المثقفين الذين جاؤوا للمشاركة في مهرجان جرش السنوي في الأردن لهذا العام، أقول كنت إزاء ذلك صامتاً كأبي الهول (شاطحاً) وفي قمة (الشطحان)، وفجأة قلت لنفسي: (يا ولد ولِمَ تبقى طول العمر (كحياناً) (حفياناً)، إنها فرصتك الذهبية الأخيرة التي ترفعك من الصفر إلى ملايين الأصفار، طبعاً أمام ال(1) لا خلفه!! ثم لماذا لا تكون (سمساراً) لأول مرة في العمر، ثم ما بها (السمسرة)؟! إنها مجرد (شغلة) لا تكلفك كثيراً من الجهد والمال أيضاً بالرغم من أن (اسمها) يثير لديك (الاشمئزاز) لا أكثر!! ولكن لماذا لا تفعلها أيها البدوي الفقير لله؟! أقول وفيما كان أصحابي المثقفون ما زالوا يتحدثون عن الوسيلة التي قد تجمع البحرين قفزت لعقلي فكرة (شيطانية تجارية جشعة) وبشعة أيضاً ألا وهي تتلخص بالآتي: بما أن خط (التابلاين) الذي مدَّته شركة أرامكو الأمريكية منذ مطالع النصف الأول من القرن الفائت الذي كان يصل الخليج العربي بالبحر الأبيض المتوسط عبر آلاف الأميال، ثم أن أرامكو - الشركة - وجدت طريقة أرخص في نقل النفط بالإضافة إلى الظروف السياسية والتاريخية جعلت من خط «التابلاين» - بعد ذلك - مجرد أنبوب معدني فارغ تصفر فيه الرياح منذ ذلك الزمان إلى يومنا الحاضر. أقول: قلت لماذا لا أصبح (سمساراً) بين شركة أرامكو الغنيّة وبين الشركات التي ستتعاقد معها الأردن في مشروع نقل ماء البحر الأحمر إلى البحر الميت عبر هذا الأنبوب المهمل أي (التابلاين)؟! *** أقول وفيما أنا أفكر بالثراء عبر هذه الصفقة العجيبة الغريبة (المُريبة!!) التي سوف تنتشلني من القاع إلى آخر الأصقاع، ولأن أحلام الفقراء عادة تبقى فقيرة مثلهم، فقد صدمني أحد الأصدقاء الذين يفهمون بهكذا أمور أن أنبوب «التابلاين» المعدني الذي أكله الصدأ لا يصلح لنقل الماء المالح، لأن الملح أشد ضرراً على معدن الحديد من الصدأ، كما هو حلم الفقير بالثراء إذ ينتهي كما ابتدأ.