يردد وزراء الحكومة الإسرائيلية حالياً شعاراً للتعامل مع الملف الإيراني يقول إن إسرائيل تواجه الآن الاختيار بين «القصف أو القنبلة» أي أنه إذا لم تهاجم إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية فإن إيران ستحصل على القنبلة النووية. هذا الاختيار يترجم بوضوح المزاج العام لكبار المسؤولين في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لسان حال المسؤولين الإسرائيليين يقول «من الواضح أن الخيار العسكري لإسرائيل ما زال حاضراً بقوة على المائدة رغم نجاح العقوبات الاقتصادية الدولية في إجبار إيران على العودة إلى مائدة المفاوضات. يقول إفرايم هاليفي الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) إن «الأمر ليس مناورة ولكنهم جادون في ذلك» في إشارة إلى جدية الإسرائيليين في استخدام الخيار العسكري ضد إيران.» وخلال المقابلات التي أجريتها مع عدد من الخبراء والمسؤولين في إسرائيل اتفق عدد منهم مع رأي هاليفي، حيث يقولون «لا يجب أن يسترخي العالم ويفترض أنه يمكن تأجيل التعامل مع الملف الإيراني حتى العام المقبل. هنا الضوء الأحمر يلمع باستمرار. وقد بدأ قادة إسرائيل تحذير إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أنهم لن يسمحوا بانتهاء 2012 دون الوصول إلى حل نهائي للملف النووي الإيراني. وعندما زار ساسة إسرائيل واشنطن مؤخراً وقيل لهم إن المناخ الآن أفضل منه مقارنة بما كان عليه الحال في الربيع الماضي قال المسؤولون الإسرائيليون إن حكومة نتنياهو لم تغير موقفها ولا «قيد أنملة». الحقيقة أن المفاوضات الدائرة بين إيران والمجموعة الدولية المعروفة باسم «مجموعة خمسة زائد واحد» التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا لم تنجح في تهدئة قلق إسرائيل وإنما عمّقت هذا القلق. وهذا ليس لأن نتنياهو يعتقد أن إيران تحاول كسب الوقت، وإنما لأنه يعتقد أنه حتى إذا نجح المفاوضون الدوليون في الحصول على ما يريدون من إيران بموافقتها على وقف تخصيب اليورانيوم بدرجة 20% وتصدير مخزونها من هذا النوع من الوقود النووي، فإن الخطر يظل قائما لأن إيران ستظل تمتلك 6000 كيلوجرام من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي لا يحتاج إلى أكثر من عام لكي يتم رفع درجة تخصيبه إلى المستوى المطلوب لصنع القنبلة النووية. نتينياهو يريد إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى نقطة البداية من خلال تجريده من كل كميات اليورانيوم المخصب الموجود لديه. وإذا لم ينجح المفاوضون الدوليون في تحقيق هذا الهدف فربما يلجأ إلى الحل العسكري للوصول إليه. والحقيقة أن لعبة الأرقام بالنسبة لمستويات تخصيب اليورانيوم تكشف عن عمق الخلافات بين واشنطن وتل أبيب. فالرئيس أوباما يرى أن المبرر الوحيد للعمل العسكري ضد إيران هو أن يتخذ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران قراراً بإنتاج القنبلة النووية وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن. وبالنسبة لنتنياهو فإن الخط الأحمر هو حصول إيران على القدرات التي تجعلها قادرة على الحصول على السلاح النووي في مدى زمني قصير نسبياً. لذلك فهو لا يقبل باستمرار امتلاك إيران للقدرة على تخصيب اليورانيوم بحيث تستطيع استخدامه في إنتاج قنبلة نووية حتى إذا كانت استخدامات هذا اليورانيوم سلمية. يرى نتنياهو أن وجود بلاده ومصيرها على المحك في هذه القضية ولذلك فهو يستعد لكي تقوم بلاده بمحاولة تدمير البرنامج النووي الإيراني لأنه لا يريد أن يكون بقاء الشعب الإسرائيلي رهنا بمواقف الآخرين. ولكن بعض الخبراء الإسرائيليين وبينهم مؤيدون لحكومته لا يرون أن الخطر الإيراني خطراً وجودياً بالنسبة لإسرائيل بما تمتلكه حالياً من قدرات ردع عسكرية كبيرة. ورغم أن أغلب أعضاء حكومة نتنياهو يؤيّدون وجهة نظره فهناك فروق طفيفة بينهم في الرأي. يقول المسؤولون الأمريكيون إن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك يركز على منع إيران من الوصول إلى «منطقة المناعة» عندما تبدأ التشغيل الكامل لمركز تخصيب اليورانيوم المدفون تحت الأرض بالقرب من مدينة قم. وربما تصل إيران إلى هذه المرحلة في وقت لاحق من العام الحالي. ووفقاً للمسؤولين الإسرائيليين فإن المدة المتاحة أمامهم للتحرك العسكري «ليست أسابيع ولكنها أيضاً ليست سنوات». ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن باراك أكثر استعداداً من نتنياهو للقبول باتفاق مع إيران يعطي إيران الحق في الاحتفاظ بقدرات تخصيب تضمن لها حفظ ماء وجهها من خلال القول إنها حافظت على حقها في الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية كدولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي وفي الوقت نفسه فإن هذه القدرات لا تكفي لإنتاج كميات يمكن استخدامها في إنتاج قنبلة نووية. ويشكك بعض الخبراء الإسرائيليين في الجدول الزمني لوصول إيران إلى «نطاق الحصانة». يعتقد هؤلاء الخبراء أنه لا يوجد موقع نووي في إيران بما في ذلك الموقع الموجود تحت الجبل في قم لا يمكن تدميره من خلال هجوم عسكري دقيق. ويرى هؤلاء أن الحصانة الوحيدة التي يمكن أن تحصل عليها إيران هي امتلاك القنبلة النووية. وفي حين أنني أتفهم مخاوف نتنياهو، فإني اعتقد أن أي هجوم إسرائيلي ستكون له عواقب عكسية وخيمة. فسوف يؤدي الهجوم إلى انهيار التحالف الدولي ضد إيران وانهيار برنامج العقوبات الدولية على طهران في الوقت الذي بدأ فيه هذا البرنامج يؤتي ثماره. في الوقت نفسه فإنه لا يمكن التنبؤ بعواقب مثل هذا الهجوم خاصة في ظل موجة التغيير التي تضرب منطقة الشرق الأوسط. وأخيراً فقبل أن يلقي نتنياهو بقطعة النرد الأخيرة ويتخذ قراره عليه أن يستعيد التجربة المؤلمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحم بيجن الذي لم يكن أقل حرصاً على إسرائيل عندما قرّر غزو جنوب لبنان عام 1982 لحماية أمن إسرائيل فلم تجن إسرائيل إلا الخسائر. والحقيقة أن الثمن والعائد من أي هجوم على إيران غير معروف، ولكنه في كل الأحوال سيكون كما قال هاليفي «حدثاً سيؤثّر على هذا القرن بالكامل». - (واشنطن بوست) الأمريكية