بعد دخول الإنترنت إلى المملكة، في نهايات القرن المنصرم 1997م، والقفزة التي شهدتها المملكة في عدد المستخدمين من مئتين ألف مستخدم عام 2000، إلى أربعة ملايين وثمانمائة مستخدم عام 2006، حسب إحصائية الشركة السعودية للاتصالات stc.. كان هناك قلقٌ عام يساور المثقفين والآباء على أن يُهجر الكتاب من قبل الجيل الرقمي الذي أصبح الإنترنت في متناول يده بيسر وسرعة جيدين. مما يفاقم الخوف على عدم العودة للقراءة بشكل مطلق.. وقد واجه المراهقون موجة تقريع وملاحقة من قبل الآباء الذي لم يوفقوا حقيقة في جذب المراهق للكتاب. لأن المنافسة غير متوازنة -بالنسبة للصغار- بين الكتاب المكون من غلاف وورق أبيض وحشد من الحروف المتراصة. وبين التصفح الإلكتروني حيث الصوت والصورة، والتنوع في الموضوعات وسرعة الحصول على المعلومة من خلال مواقع كجوجل وويكيبيديا. في النادي الأدبي بالرياض قبل أعوام كانت هناك أمسية بعنوان «فتيات الإنترنت» ولقد شاركتُ فيها بورقة عمل تحكي تجربتي الشخصية في استخدام الإنترنت، كوني استخدمته في وقت مبكر من عمري. ولقد لمست ذلك القلق من الأسئلة التي وجهت لي من قبل الأمهات عن مدى خطورة تصفح الإنترنت في سن مبكرة. تلك المراوحة ما بين قلق الآباء وشغف الأبناء تجاه هذا الكون الملون الذي ينبض بكل جديد صوتا وصورة، أنتجت صورة سلبية عن مستقبل جيل الإنترنت إن صح تعبيري. لكن المُبهر بالأمر أن البعض من جيل اليوم خيب كل التوقعات، وأكد على أن الإبداع ليس محصوراً في جهة معينة أو يولج من باب واحد. إن مورد الثقافة تغير وهذا أمر لا بد أن يسلم به الجميع، وأصبحت الشاشة الصغيرة بابا كبيراً ومشرعاً أمام الشباب للاطلاع على ما كان يوما ما مجهولا تماما. إنه لأمر مؤسف أن يفقد الكتاب ألقه وجاذبيته بعد ما كان مصدرا مهما للعلم والثقافة فيما قبل دخول الإنترنت. لكن لننظر إلى النواحي الإيجابية في الأمر، لنحاول تفهم المرحلة ومتغيراتها ومتطلباتها وإفرازاتها. فما دام مورد الثقافة قد تغير وتلك حقيقة لا مناص منها، إذن لا بد أن يكون المنتج مختلفا بالضرورة. فبدلا من أن يكون لدينا فنانون تشكيليون وشعراء وقاصون وكُتاب وفلاسفة، أصبع فينا جيل مبدع في مجالات أخرى لم تكن معروفة في المجتمع السعودي من قبل: كالتصوير الفوتوغرافي والستاند أب كوميدي والأفلام القصيرة.. وأفلام الإنمي الذي لاقت مشاهدة كبيرة من قبل جميع شرائح المجتمع.. بدر صالح وبرنامجه الكوميدي «إيش اللي»، فهد البتيري في «لا يكثر»، فلم الكارتون «مسامير» من إنتاج المبدع مالك نجر. علاء وردي عازف لا يستخدم الآلات بل يستخدم شفاهه ويديه فقط ليصنع معزوفاته الملفتة. والكثير من صانعي الأفلام والمصورين والموهوبين. أسماء كثيرة فرضت موهبتها على المجتمع السعودي رغم قلق الآباء ورغم وجود من لا يقدر موهبتهم ويواجهها بالتهميش والتقليل والانتقاد اللاذع. إلا أنها أثبتت أن الإبداع لا جنس له ولا لون ولا انتماء ولا زمن! [email protected]