حينما تيمم خطم راحلتك النجيبة أو الحداثية لا فرق نحو الشمال وترفع عنقها النبيل لتنشق الريح الشمالية، منحدراً من قمة إقليم الحماد الرهيب إلى أقاصيه البعيدة تتراءى لك جبال بركانية سوداء غريبة التكوين بديعة الخلق. لتشي لك أنها بركان خامد منذ أزل الزمان لم يزل يحتفظ بشكله الهيكلي بعد سكون الحمم المندلقة على كل جوانبه ومن كل الأطراف. أقول وأنت هكذا مأخوذاً بتصاوير الجبال وتشكلاته الجيولوجية المتفاوتة، تبزغ أمامك فجأة واحة خضراء من النخل المتراقص عبر هبوب (النور)، ومن ذلك النخل تتدلى عذوق التمر التي لربما تنحني على أشجار فاكهة أخرى في منطقة لا يمكن أن تتوقعها على الإطلاق، ولربما تلمح من خلال السعف الرشيق بقايا بيوت طينية دارسة في ذاكرة الزمان. حينها إن كنت مولعاً مثلي بأدب الرحلات ومسوحات المستكشفين والرحالة الأجانب العتاه - لا بد لك أن تعيد شريط ما قرأت عما كتبوه عن منطقة (كاف) ومنطقة كاف إحدى قرى الملح أو القريات - المحافظة الشمالية وحينما ترفع رأسك للأوج ترى قلعة شامخة في الأعالي سماها الرحالة قصر الصعيدي!! ولا نعلم من هو هذا الصعيدي!! ولكن المؤكد أنها قلعة (ابن شعلان) أمير قبيلة الرولة العريقة من عنزة الكبرى حيث كانت هي مقرّه الحربي في غابر الزمان كما يقبع في حضنها أيضاً قصره الرائع الذي رُقّم بشكل أروع وبفكرة رائعة ممن فكر في ذلك. *** بالطبع كل ما قلته سالفاً يتعلق بالمهرجان الصيفي الذي تقيمه محافظة القريات منذ عامين لا أكثر احتفاءً بآثارها ومن سكنوا تلك الآثار من رجال التاريخ، أقول إن من فكر في إقامة هكذا مهرجان قرب القلعة في (كاف) قد حالفه حظ النجاح لأن الموقع يقع بالضبط على درب الشمال الذي يعبره المسافرون إلى بلاد الشام وما وراءها من الأقطار، أقول أحسن من فكر في ذلك ويحسن أكثر من يطور الفكرة.