أعتبر هذا المقال من أصعب المقالات التي أكتبها في حياتي. توقفت أصابعي عن سطر الحروف, فلا المناسبة بالمتوقعة من شدة وقعها, ولا الكلمات الملائمة تأتي لتُعبر عما يجيش داخل النفس من تعبير حزين وحجم المصاب. رحمك الله يا نايف بن عبدالعزيز, رحمك الله يا أبا سعود أيها السد المنيع أمام كل طوفان يحاول اجتياح هذه البلاد, وكنت - بعد الله - حائلا عسيرا أمام مكائد الأعداء وغدر الانذال, وكاشفا لكل سوءات المجرمين, رحمك الله يا نايف ففي تأبينك ماذا يمكن أن يقال وماذا أمام المرء سوى أن يترحم عليك وأن يطلب لك المغفرة على ما قدمته لوطنك طوال سني عمرك التي قضيتها خدمة لهذا الوطن وأهله. في فقد نايف نحن من فقد, ونحن كمواطنين من يشعر بحجم الفقد, فمواقف الأمير النبيل لم تتوقف فقط عند حدود وزارته أو الأدوار الأمنية التي كان مناطا بها, بل تجاوز ذلك إلى أدوار اجتماعية هائلة كان يؤديها برؤية متقدة, وحتى في أصعب مراحل مرضه كان يمارس عمله ويحظر المناسبات الاجتماعية والاقتصادية ويرعاها, كما عرف عنه رحمه الله طوال حياته، إذ إن مصالح وطنه كانت لديه في المقدمة وقبل كل شيء، حتى قبل نفسه. أتذكر قصة قيلت لي نقلا عن أحد المواطنين الذين حضروا لمكتب الأمير الوزارة في معاملة تخصه ويذكر متعجبا أن الأمير كان متمعنا في ما أمامه من معاملات ولساعات ثلاث دون أن يرفع رأسه, كان المراجع متعجبا لهذا الجلد والصبر, وأنا هنا لا أعدد مآثر ولكن هذه القصة ذكرتني بجلد نايف وصبره في مواقع أخرى. قدم الأمير نايف -رحمه الله- دروسا في معاني الصبر والتسامح, لم يعرفها الزمن الحديث كما عرفها من مسؤول كنايف, حين قدم برنامج المناصحة لمن حادوا عن الطريق, لم يتعامل معهم كمجرمين. تعامل معهم كأبناء أخطأوا ويجب مناصحتهم ليعودوا إلى الطريق القويم, وتكفل مع من استتاب منهم بزواجه ومسكنه ووظيفته, هذا درس لا يعيه إلا كل منصف. أربعة عقود مضت والأمير نايف مسؤول عن أمن هذا البلد, تعرضت خلالها هذه البلاد لعدة حملات خارجية تريد السوء بالوطن وأهله, ولكن كان هناك من يقف ببسالة لهذه الحملات من أي نوع كانت, وحماة بعد الله -عز وجل- للوطن تحت قيادة نايف بن عبدالعزيز. فقدتك الجموع يا نايف, في لحظات وداعك رأينا الوجوه حزينة كما لم تحزن من قبل, وذلك ليس غريبا وأنت أحد مؤسسي الدولة السعودية في ظروف صعبة كانت المملكة تنتقل فيها من مجتمع البداوة إلى المدنية الحديثة. ليس أمامنا في حضرة الموت والفراق إلا الدعاء لنايف, اللهم ارحم عبدك نايف واغفر له, وعزاؤنا لخادم الحرمين الشريفين وإخوته الكرام وأبناء الفقيد وللوطن وللشعب ولكل رجل أمن عمل تحت إمرة نايف بن عبدالعزيز, وسلوانا أن هناك من سيسير على خطى نايف من أشقائه الكرام، فهاهو الأمير سلمان بن عبدالعزيز يختاره قائدنا لولاية العهد، وها هو الأمير أحمد بن عبدالعزيز يحمل راية نايف في وزارة الداخلية، وليس لهم منا إلا الدعاء بالصحة والعافية وأن يدحر بهم أعداء الأمة الإسلامية. www.salmogren.net