كان يوم السبت الموافق 26رجب 1433ه، من الأيام العصيبة في حياة المواطنين السعوديين وكذلك المقيمين من غير السعوديين، لقد فجع الجميع بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، فجعنا ليس اعتراضا على القدر وإنما لحبنا لسمو الأمير نايف وما يمثله بالنسبة لنا من عظم المسؤولية التي كان يتحملها بصفته الرجل الثاني لقيادة هذا البلد الكريم كسند وعضد مخلص لقائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، نايف بن عبد العزيز رحمه الله كان رجل دولة من الطراز الأول بحكم الخبرات التي حازها والمناصب التي تبوأها والمسؤوليات والمواقف البطولية التي تشهد لسموه، ولو استعرضنا بعضا مما أنجزه نايف بن عبد العزيز، لتبادر إلى أذهاننا كأولوية وطنية قضائه على تنظيم القاعدة واستئصاله من أرض الحرمين المملكة العربية السعودية، بكل حزم وصرامة وذلك بشهادة العالم أجمع، فمكافحة الإرهاب المتمثل في تنظيم القاعدة وما يدور في فلكه من المخربين والمحرضين والمتعاطفين كانت سمة نجاح قادها نايف بن عبد العزيز بكل اقتدار، ولو قدر لأولئك الهالكين من ذلك التنظيم الفاسد أن يتحدثوا لقالوا بأن عدوهم اللدود على مستوى العالم هو نايف بن عبد العزيز، وما ينطبق على الإرهابيين ينطبق على مهربي ومروجي المخدرات، حيث حذر سموه منهم ومن شرورهم ووصفهم بأنهم الجناح الثاني للإرهاب، فالإرهاب يدمر ويقتل الأجساد والمخدرات تدمر وتقتل العقول، وكلاهما شر محض ومكمل للآخر فكرا وعملا وتمويلا.. ومع ذلك كان سموه متسامحا وكريما مع من غرر به من الشباب ثم رجع وتاب، فوجه لأولئك العائدين إلى الطريق السوي بعقد برنامج المناصحة والاهتمام بهم وتأهيلهم حتى يعودوا أعضاء نافعين بين أهلهم ومجتمعهم ووطنهم، لم يكن نايف بن عبد العزيز كغيره من وزراء الداخلية الذين يحاسبون الأسر بجرائر أبنائهم، وإنما العكس تماما، فهو الحريص رحمة الله عليه على عدم فجعة الوالدين بأبنائهم عندما تكتشف وزارة الداخلية تورط الأبناء قبل أن يعلم الوالدين، وهذه الصفة هي من أرقى صفات الإنسانية التي يتمتع بها هذا الرجل العظيم مستدلا بالأمر الرباني الجليل (ولا تزر وازرة وزر أخرى) والإنجاز الآخر الذي يشهد عليه العالم هو قيادة الأمير نايف لمواسم الحج سنويا، وهذا الجمع البشري العظيم الذي يأتي في زمن واحد وفي مكان واحد وبأعداد مليونية، لا يستطيع إداته وإنجاحه إلا من أوتي قدرا عاليا من القيادة والحكمة والصبر، إنه نايف بن عبد العزيز تحت توجيه مليكنا المحبوب عبد الله بن عبد العزيز، إنني على يقين بأن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله عندما أسند مهمة الحج إلى أخيه نايف فهو بذلك يؤكد حفظه الله بأن سمو الأمير نايف أهل لتحمل تلك المسؤولية المقدسة وجدير بإنجاحها، وبالفعل كان نايف محل الثقة الملكية الغالية، وبصفتي أحد الضباط الذين تشرفوا بالعمل في خدمة الحجيج أكثر من ثلاثين سنة، فإنني ألمس عن كثب مشاركة الأمير نايف للعاملين في الحج، مشاركة واقعية ميدانية، فهو لا يكتفي بالتوجيه عن بعد أو الاطلاع على التقارير وهو على مكتبه، وإنما يأتي ويحضر لجميع مواقع الخدمة ويسأل ويستفسر ويوجه بكل ما يراه يخدم حجاج بيت الله الحرام لأداء نسكهم بيسر وسهولة في أجواء آمنة مطمئنة، هكذا كان سموه في مواسم الحج.. إضافة إلى أنه رجل دولة شامل بكل ما تعني هذه الكلمة، فهو رجل إعلامي يتعاطى مع الإعلام بحرفية ومهنية عالية، والإعلاميون يحظون باهتمامه وإجابته على ما يدور في أذهانهم في جميع المناسبات التي يحضرها بما فيها المؤتمر السنوي الذي يعقده سموه في مواسم الحج وتحضره جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية، أيضا اهتمامه بالنواحي الفكرية والدعوية والأمن الاجتماعي، وكذلك حرصه على الاهتمام بالقرآن والسنة وهما الدستور الذي تحكم بموجبه هذه البلاد المباركة، حيث خصص سموه جائزة باسمه لخدمة القرآن والسنة، هذا فضلا عن الكراسي العلمية التي تحمل اسمه في العديد من الجامعات والمراكز العلمية في مختلف التخصصات، هذا غيض من فيض لما كان يتميز به سمو الأمير نايف بن عبد العزيز رحمة الله عليه، ولو أسهبت في مسؤولياته ومناقبه لاحتاج ذلك إلى مجلدات وليس مقالا في صحيفة، أرجو من الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يلهم والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والأسرة الملكية الكريمة والشعب السعودي الأبي الصبر والسلوان، فنايف بن عبد العزيز فقيد الوطن قاطبة، بل وفقيد الأمتين العربية والإسلامية، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. [email protected]