أكتب لك أخي الموظف بعد أن تقاعدت خلاصة حياتي الوظيفية وتجربتي العملية، فلكل وظيفة كبرت أو صغرت نهاية، والموظف الناجح هو من يجعل حياته الوظيفية حافلة بالعطاء والتفاني، متميّزة بالتعامل الراقي، وقد كنت كتبت مقالات سابقة عن الإبداع الوظيفي، وها أنذا أكتب لكل موظف لن يبقى لك بعد تقاعدك إلا ما قدمت من عمل وصدق وتفاعل، فبقدر ما تقدّم تأخذ، وبحجم ما تمنح تربح، فأكثر الموظفين إبداعاً وإنجازاً هم أكثرهم سعادةً، ولذلك اقترح عليك بأن تقيّم دوماً عطاءك الوظيفي وتقيسه ثم تقوّمه وتطوره ما أمكن، فالتخطيط الوظيفي سبيل النجاح العملي، ومن فشل في التخطيط فقد خطط للفشل، فمن المحزن أن تجد الموظف الممتلئ حيوية ونشاطاً بطيء الأداء ضعيف الإنتاج، بينما المثقل بالسنين أو الأمراض لا يهدأ له بال حتى ينجز كل الأعمال، ثم عليك دوماً باحتساب الأجر، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وأنت عندما تقدّم عملاً وتنجز مهمة فإنما تعين إنساناً على حاجته، بل أنت تسهم في نهضة وطن وتقدّم مجتمع، وذلك من خير الأعمال، وهذا الشعور هو الوقود الذي يدفع الكثيرين للعمل الدؤوب بينما غيرهم في خمول، فجدّد وظيفتك بتجديد نيتك، فلذلك أثر مبارك على عملك وراتبك، استفد من ذوي الخبرة الوظيفية فقد يوفرون عليك الكثير من الجهد والمال، وكلما استطعت قراءة كتاب من تخصصك أو دورة في محيط عملك فلا تتردد، وأوصيك أخي الموظف بتقدير رؤسائك وزملائك ومحبتهم والصبر عليهم وتجاوز زلاّتهم فإنما الفائز من غفر، وتذكّر دوماً {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. ولن يبقى لك بعد أن تترجّل من كرسي الوظيفة إلا تلك الخبرة التي اكتسبتها، والذكر الحسن الذي حصّلته من عملك وتعاملك، ودعوات أحاطت بك ممن قضيت لهم حاجاتهم وأنجزت معاملاتهم، ثم رأس المال هو مرضاة ربك فلا تدع سبيلاً في وظيفتك لذلك إلا سلكته، ولا تدع سبباً يوقعك في غضبه إلا اجتنبته، والله الموفّق والهادي والمعين. المستشار والمشرف العام على مكتب وزير الخدمة المدنية (سابقاً)