لقد شعرت بأسى بعد تقاعد معالي الشيخ الجليل صالح الحصين -حفظه الله وأطال في عمره-، فتعويض من هو مثله أمر ليس باليسير، لأنه ببساطة من صنف نادر من الناس، فعندما تقابله تشعر بأنه يتغلغل رغما عنك في كل خلية من خلايا جسدك، فتلك الابتسامة العفوية الفريدة تجعلك تشعر أن الوئام والسلام حل على البقعة التي يتواجد فيها، أما تواضعه فقد أصبح مضرب المثل، إذ لا يمكن أن يسمح لأي أحد مهما دنت منزلته أو صغر عمره أن يقبل رأسه، ولهذا الأمر حكايات لها شجون. أذكر ذات مرة أنه جاء إلى مكتب سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز -يرحمه الله- في جدة، وكان الشيخ عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء موجوداً هناك، وعندما تصافحا حاول الأخير أن يقبل رأس الحصين ففشل في مسعاه، وكنت مندهشا وأنا أتابع المشهد، فقد كان المطلق مصراً على تقبيل رأس الحصين مهما كلف الأمر، ولذا فقد تظاهر بأنه اقتنع وتخلى عن هذه الفكرة، وعندما غفل الحصين فاجأه الشيخ المطلق بتقبيل رأسه بسرعة فائقة، في مشهد جميل وطريف، وقد حسدت شيخنا الحبيب المطلق حينها، لأنني لم أتمكن من تقبيل رأس الحصين ولو بالخدعة!. أضف إلى هذا أن الشيخ الحصين كنز علمي، فهو فقيه وقانوني ومتحدث لا يمل حديثه، وما يؤلمني أننا لم نستنفد إلا القليل مما لديه، لأنه مقل في التأليف وإلقاء المحاضرات، أما زهده فهو مضرب المثل، ولدي الكثير من الحكايات، التي لولا علمي أن والدنا لا يرغب في إفشائها لذكرتها، فهو كثير الصدقة، ولا يمكن أن يستلم ريالاً واحداً ما لم يكن نظير عمل قام به، ولا يحب البهرجة في ملبسه ومسكنه، وأتمنى أن يكتب أحد المؤرخين سيرته ذات يوم، فهي سيرة تستحق أن تقرأها الأجيال، ليتعلموا معنى الوطنية والنزاهة والصدق في القول والعمل. وإضافة إلى كل ذلك فالشيخ رجل دولة من طراز فريد، فقد كان يتسنم مواقع وظيفية رفيعة منذ خمسة عقود، ولم يعهد عنه إلا الإخلاص والعمل الدؤوب بصمت قل نظيره، ولذا فقد كسب ثقة ومحبة جميع ملوك البلاد، وآخرهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله-، والذي تربطه بالشيخ علاقة مودة واحترام متبادل من نوع خاص، والحديث عن الشيخ لا ينتهي، لأن مآثره كثيرة -حفظه الله-. وختاماً، أسأل الله العلي القدير أن يمن بالشفاء العاجل على الشيخ الفاضل صالح الحصين، وأن يمد في عمره، ويحفظه لمحبيه، وهم كثر. فاصلة: «إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده».. رسولنا العظيم عليه السلام.