أما العنوان فمني، وأما القصيدة فمن أخي د. عائض، وكنتُ أقول له: الشيخوخة قرار وليس حتماً فيأبى، فلما صدح بهذه الرائعة بزني وتحدث بلغة صادقة مشجية وكان إيجابياً باستعجاله الشيب قبل أوانه ليكون وازعاً من شرة الشباب ودافعاً لإعادة الحساب، قرأ علي هذه المقطوعة مراراً وصوته يتهدج في إنشاد عذب وشاعرية فائقة (د.سلمان العودة). دفعت لشيب الرأس كل فدائي ورجّعتُ مدحي عنده وهجائي وحاولته تأخير وعد زيارتي لأن شبابي مغرم بلقائي فوالله ما من حيلة أو تعلّةٍ تقدم إلا صغتها ببكائي فأقسم دهري ما من الشيب مهربٌ ففاحم شعري أبيضٌ ككسائي فقلت أعرني بردةً أستتر بها وإلا فزمّلْني بفضل ردائي وأُبتُ إلى أفراخ عشي موشحاً بأبيض تخفيه برود حيائي وقمنَ بنيّاتي يفدِّين منهكاً لكنَّ فؤادي اليوم خير فدائي فقلنَ ودمع العين يذرف وابلاً بصدقٍ حنين عارمٍ ودعاءِ عهدناك مثل الهندوانيِّ مصلتاً بحسن شبابٍ طامح ورواءِ فكيف غزاك الشيب والعزم حاضرٌ وحزمك في الشّدّات خير وقاءِ فقلت دعوني وابكيا لي هُنيهةً فراق شبابي أو فراق عزائي لئن شاب رأسي والخطوب كثيرةٌ فما شاب في درب العلوم مضائي وإن جللتني الحادثات ببردةٍ من الشيب أخفيه بصبغ طلائي فما فل في ساح المكارم صارمي وما قل في نادي الجموع ثنائي وما شاخ قلبي والدواهي صواعق وما خاب في رب العباد رجائي فيا شيب ألبست الشباب مهابةً وأبليت في الإرشاد كل بلاءِ جزى الله عني واعظ الشيب خير ما جزى ناصحاً من خيرة النصحاءِ سلكت طريق الحب حتى إذا انتهى تعوضت حب الله كاشف دائي وأهلاً وسهلاً بالبياض وإنما بياض بقاءٍ لا بياض فناءِ ألم ترَ أن الشمس بيضاء فجةٌ وأن نجوم الليل نور سماءِ ولا مرحباً يا أسود الشَّعَر إنه نذير جموحٍ لا بشير سناءِ سواد كأن الليل يصبغ ثوبه عليه وسود النائبات ورائي وما شبت من همٍّ لتثمير ثروة وكيف وكنز الوحي كل ثرائي ولكن ليالٍ أرقب الفجر ساهراً كأني بها في حضرة الندماءِ أرتل آياً أو أُحبّر قصةً وأنصتُ للنظار والشعراءِ سقى الله أيام الشبيبة وابلاً من الحب مجلواً بحسن وفاءِ ورعياً لأيام الصبا كيف ودّعت وداع صدودٍ لا وداع لقاءِ بكلٍ تساقينا الصبابات والنوى وفيها تقضَّتْ شدتي ورخائي