في الحلقة السابقة غلبني الحماس للأرقام فغلطت في رقمين، ولذلك وجب التصحيح ومعه تقديم الشكر لمن نبهني إلى الخطأ، معالي وزير المياه والكهرباء والزميل الدكتور محمد القنيبط. لقد قلت إن استهلاك الفرد السعودي من المياه بلغ حدود سبع مئة لتر في اليوم، والصحيح أن الرقم يقع ما بين مئتين وخمسين وثلاث مئة لتر.علي أن أعترف أن الفرق كبير ولكنني أصر على حقي في الاحتفاظ بمضمون الفكرة وهو الإفراط مقارنة باستهلاك من تعوم بلدانهم على البحيرات والأنهار. كان الرقم الآخر أقل شأناً حين قلت إن التسريب المائي في الشبكات الداخلية يصل إلى سبعين في المئة، والصحيح أن التسريب في جملة المنازل التي تم الفحص المتخصص عليها بسبب الارتفاع غير المتوقع في استهلاكها للمياه وصل إلى حدود السبعين في المئة، ومرة أخرى أحتفظ بحقي في إبقاء الفكرة والمضمون بعد تصحيح الرقم. الآن أعود بكم إلى صلب الموضوع كما وعدتكم في نهاية الحلقة السابقة. في حين يشكل استهلاكنا البلدي السكاني من المياه حوالي عشرة بالمئة من الاستهلاك الإجمالي فإن التسعين بالمئة الأخرى تذهب للأغراض الزراعية والصناعية. المصدر الرئيسي للمياه عندنا هو المياه الجوفية (حوالي تسعين في المئة)، وتستهلك الأغراض الزراعية وحدها قرابة ثلاثة وثمانين في المئة من الاستهلاك الكلي، وهذا هو الرقم الاعتباري الأول في هذه الحلقة. خلال الثلاثين عاماً الأخيرة وحتى عام 2010م استهلك القطاع الزراعي حوالي خمسمائة وأربعين مليار متر مكعب من المياه الجوفية من الطبقات الجيولوجية الرئيسية لمكامن المياه غير المتجددة. هذه الخمس مئة وأربعون مليار متر مكعب تعادل إنتاج محطات التحلية للمملكة لمدة خمسمائة عام عند تشغيلها بالطاقة القصوى. هذا هو الرقم الاعتباري الثاني. في السطور التالية سوف تواجهون العديد من الأرقام الاعتبارية فاستعدوا رجاءً لذلك. إنتاج لتر واحد من الحليب يستهلك خمسمائة لتر من المياه. إنتاج كيلوجرام واحد من الحبوب يستهلك ألفي لتر من المياه. إنتاج كيلوجرام واحد من اللحوم الحمراء يستهلك خمسة وعشرين ألف لتر من المياه. إنتاج بطيخة واحدة تزن عشرين كيلوجراما يستهلك خمسة عشر ألف لتر من المياه. لن أتعرض لاستهلاك التمور من المياه لأنني أحب التمر ولأنه جزء لا يتجزأ منا روحانياً وجغرافياً ووطنياً. الجدير بالملاحظة هنا هو أن هذه المياه الجوفية الذاهبة للزراعة بعضها صالح للشرب بدون تحلية وبعضها يكاد يكون كذلك والبعض الآخر لا يتعدى تركيز الملوحة فيه العشرة في المئة من ملوحة مياه البحر. هذا يعني أن تكاليف تحلية المياه الجوفية لأغراض الشرب عند الحاجة لا تكاد تذكر عند المقارنة بتكاليف مياه البحر مضافاً إليها تكاليف النقل من السواحل إلى الداخل.