لا يخفى التوجه النشط في الآونة الأخيرة من قبل العديد من المواطنين واهتمامهم بالتراث المعماري والعودة إليه ومحاولة إنقاذ ما تبقى منه، بعد أن تعرض خلال العقود الماضية للإهمال من جهة، وللزحف العمراني الحديث بمظاهره المختلفة في العقود الأربعة الماضية من جهة أخرى، والذي جاء على أنقاض معظم تلك المواقع ذات القيمة التاريخية والآثارية التي لن تعوض، رغم المطالبة المتكررة من بعض المهتمين والباحثين للمحافظة على ذلك الإرث المعماري وما يحتويه من مضمون فكري وحضاري يراه البعض ماضيا ومعمارا تاريخيا يعوق مظاهر التطور المطلوب. ومن خلال الاطلاع على العديد من المباني الأثرية التي تم ترميمها نلاحظ أنه لم يكن ترميماً للأثر التاريخي بالشكل المرضي بقدر ما يمكن أن نطلق عليه مسمى (التحنيط الأثري) حيث إن ذلك بفقد الأثر روحه التاريخية بمجرد إعادة تشكيله بطريقة غير مطابقة لأصله، حتى لم يعد من قيمته سوى تحديد مكانه، وكأن المشاهد ينظر إلى مبنى جديد بمظهر قديم، وبذلك تذهب تلك الجهود في غير المقصود منها، إلا إذا كان المراد لتلك الآثار هو التحسين والتجميل فقط. أما الترميم الصحيح - حسب رؤيتنا المتواضعة - فهو أن يبق الأثر التاريخي على وضعه القديم ويتم ترميم ما تهدم منه أو الأجزاء الآيلة للسقوط فقط، ويعاد ترميم تلك الأجزاء بعناية فائقة طبقاً لأصلها وذلك بعد استخدام الوسائل المعينة على ذلك بلا زيادة أو نقصان أو تحسين أو تجميل، وبهذه الطريقة نكون قد حققنا أمرين مهمين: والثاني منهما هو الأهم، فالأول: قلة التكلفة، والثاني: بقاء الموضع الأثري حياً على صورته الأولى التي هي قيمة المكان وجوهره التاريخي. وبمناسبة انعقاد فعالية (البناء بالطين) في الأيام الماضية التي نظمها فرع الهيئة العامة للسياحة في مركز غرناطة بالرياض ضمن الفعاليات المصاحبة لملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي ونظراً للاهتمام والحرص الذي يلازمنا حول العناية بما تبقى من الآثار البلدانية لهذا الوطن الكريم، وامتثالاً لذلك القول الجميل: على المرء أن يسع إلى الخير جهده وليس عليه أن تتم المقاصد لكل ذلك أحببنا تحرير هذا الرأي، ونشره عبر الجزيرة الموقرة، راجين أن يجد الناظر فيه ما يمكنه من قبوله والأخذ به، والله من وراء القصد.