أن يدعم استقلال وزارة للثقافة وحدها وزيرها الحالي الشاعر عبد العزيز خوجة، فذلك أمر مهم كونه يتحدث من كونه مثقفاً أولاً، ومن كونه يتحدث من داخل بيئة العمل، ومعرفته الدقيقة بما تفقده الثقافة من فرص العمل حينما يتداخل معها الإعلام. وأن يدعم هذا المشروع، وهو استقلال الثقافة بذاتها بعيداً عن الإعلام، عضو مجلس شورى، ومثقف وناقد، ورئيس ناد أدبي سابق، كالدكتور سعد البازعي، فذلك أمر مؤثّر ومقنع، كونه عاصر الفعل الثقافي، تأليفاً وتنظيراً وإدارة، فضلاً عن كونه يرأس اللجنة الثقافية بمجلس الشورى، المكلفة بالنظر في الشأن الثقافي في البلاد. وأن ينادي، قبل هؤلاء، ومنذ سنوات، الأديب الراحل الشيخ عبد الله بن خميس، بضرورة فصل الثقافة عن الإعلام، وجعل الثقافة فعلاً مستقلاً، كي يكون أكثر تأثيراً، بدلاً من وضعها الآن كفعل تابع وغير مؤثّر. كثير من المثقفين ينظرون إلى أن الثقافة لا تحتاج إلى دليل، ولا إلى من يقودها، فهي موجودة في كل شيء، وداخل كل جهاز، كما في أمانات المدن في العالم، التي تهتم بكل ما له علاقة بالثقافة من فنون تشكيلية وبصرية وموسيقية، وهذا صحيح في جانب منه، ولكن علينا أن ندرك أن جميع ما حققناه على المستوى الثقافي هو نتاج فعل شخصي، أو منجز خارج الحدود، وهو يعني أننا ما زلنا منتجين للثقافة فحسب، وخارج البلاد، بينما الفعل المنتظر هو أن تعود الثقافة إلى الداخل، ما زال لدينا الكثير كي نفعله ثقافياً على المستوى الاجتماعي، ما زال الكتاب غائباً، سواء الكتاب التراثي أو المعاصر، ما زلنا بحاجة إلى نشر الكتب المحلية على نطاق شعبي، كثير من النشاط ما زال غائباً، كالثقافة المنبرية، المسرح الجاد، الفنون التشكيلية والفوتوغرافية، و... و...إلخ. لم نضع لنا بصمة واضحة في عالم الثقافة، فلسنا في مستوى منجز الثقافة المصرية، ولا اللبنانية، ولم نستطع أن نفاخر بمشروع ثقافي كبير، كما في بعض دول الخليج، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو تحدثنا عن ترجمة الكتب من اللغات الأجنبية الحيّة إلى العربية، نجد في مصر مشروع الألف كتاب، الذي انطلق من عقود، في محاولة جادة لترجمة ونشر أهم الكتب في العالم، ووضعها بين يدي القارئ المصري بسعر زهيد مراعاة للقدرة الشرائية هناك، وفي الإمارات انطلق مشروع (كلمة) الذي أطلق فرصة ترجمة الكتب عن طريق مختلف الناشرين العرب، ضمن شروط وآلية معينة، حتى أصبح هذا المشروع نموذجاً يلفت الأنظار إليه. كثير من الدول العربية أنجزت مشروعات ثقافية تستحق الإشادة، لكننا، ورغم تفوقنا على مستويين، المال والكفاءات البشرية في المجال الثقافي، لم نستطع أن نعمل شيئاً، لأن الثقافة لدينا - بكل بساطة- لم تستطع التخلص من عباءة الإعلام! لذا، فإن انصهار الثقافة في الإعلام، مع عراقة الثاني وقدمه، وترسخه في الوزارة، جعلها تسير في الظل وبخجل ملحوظ، سواء على مستوى الميزانيات المخصصة، أو على مستوى الاهتمام والشعور بقيمتها، ولن تتمكّن من الوقوف بثقة واعتداد، إلا بجعلها وزارة مستقلة، وزارة الثقافة من غير الإعلام، وزارة الثقافة (نقطة).