تصديقًا لما كتبته في عدة مقالات سابقة نُشرت في عدة صحف محلية خلال السنوات الماضية عن فشل نظرية ذروة النفط أو ما يعرف بنظرية «البيك أويل» التي تتنبأ بانحدار شديد لإنتاج النفط العالمي بعد نفاد نصف الكمية المكتشفة، فقد كتب مؤخرًا الخبير الاقتصادي الكبير روبن ميلس مقالاً رائعًا بعنوان «ذروة النفط؟ قبعة قديمة» أو كما يقول إخواننا المصريون الأعزاء «دأة أديمة». يتحدث هذا المقال عن فشل هذه النظرية التي أخافت الكثير من المحللين الاقتصاديين، بل أخافت الكثير من الساسة مما جعل العالم يبدأ يفكر ويخطط لما بعد عصر النفط، بل إن الكثبر من العامة غير المتخصصين في صناعة النفط وهندسة البترول خاصة في بلاد الغرب كان يؤكد على صحة هذه النظرية من خلال ارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية وارتفاع أسعار البنزبن الذي فُسِر خطًا من قبل هؤلاء بقرب نفاد النفط العالمي. ذكر الدكتور ميلس أيضًا في مقاله -مخطًا لهذه النظرية- أن العالم يمتلك في الوقت الحالي الكثير من النفط الذي يمكن إنتاجه بأسعار تنافسية لفترة زمنية طويلة، بل وفترات طويلة قادمة. وهذا يعني أن العالم لا يواجه حتمية (فقر الطاقة) أو قرب انتهاء عصر النفط. والغريب في هذا الأمر، أنه كان هناك قبل بضع سنوات قلق حقيقي من نظرية (ذروة النفط) من قبل بعض العاملين داخل صناعة النفط العالمية، إلا أنه في الآونة الأخيرة يبدو أن هذا القلق اختفى تمامًا بل تبدل إلى اطمئنان تام بسبب توفر كميات كبيرة من النفط واكتشافات جديدة. فنجد على سبيل المثال أحد الرؤساء التنفيذيين لإحدى الشركات البترولية العالمية يصرح بأن نظرية الوصول إلى ذروة النفط قد فقدت قدرًا كبيرًا من أهميتها في السنوات الثلاث الماضية. وآخر يصرح بأن نظرية ذروة النفط يتم دفنها بسبب الابتكارات التكنولوجية الحديثة المتطورة في صناعة النفط العالمية، التي فتحت أبواب واسعة لاكتشافات هيدروكربونية جديدة وأبواب جديدة أخرى لرفع كفاءات الإنتاج من الموارد النفطية الحالية والجديدة التي يمكن إنتاجها حاليًا بأسعار تنافسية. والمراقب لما يحدث حاليًا في صناعة النفط العالمية خاصة فيما يتعلق بالجهود الجبارة والأموال الطائلة التي تصرف على البحث العلمي والتطوير، فإنه يجد أن التطور التكنولوجي الداعم لعمليات التنقبيب والإنتاج قد سار بخطى سريعة جدًا أسهم بشكل كبير وفعال ليس فقط على تعويض ما يتم إنتاجه من قبل شركات النفط العالمية لتلبية ازدياد الطلب العالمي المطرد على النفط، بل ورفع احتياطيات العالم كما فعلت فنزويلا ودول بترولية أخرى. كما أن التطور التكنولوجي الكبير المتعلق بالغاز الحجري والنفط والغاز غير التقليدي يسير بخطى سريعة نحو نفس النجاح مما يجعل هذه النظرية تحتضر وربما نقول لها ولمن كان يطبل لها «الله يرحمها»، وأنه بالرغم من الأسعار المرتفعة الحالية في الأسواق العالمية التي تسببها العوامل الجيوسياسية فإن عصر النفط لم ولن يولي. بالرغم من فشل هذه النظرية التي أخافت العالم في السنوات الماضية إلا أنه حسب رأيي المتواضع كان لها بعض الإيجابيات على تطوير سياسة الطاقة العالمية وتطوير مبدأ أمن الطاقة العالمي مما جعل الدول الرئيسة المصدرة للبترول وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية زيادة الاستثمارات في مجال البحث والتطوير ليس فقط في مجالات بدائل النفط وتحسين إنتاج النفط التقليدي، بل وحتى في مجالات النفط والغاز غير التقليدي مما سوف يضمن استمرار عصر الطاقة البترولية (الأحفورية) والبديلة على حد سواء.