يرعى معالي وزير العدل، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى ملتقى العقاريين العاشر بالرياض لمناقشة عدد من الموضوعات التي تهم القطاع العقاري وعلى رأسها «تطوير إجراءات الإفراغ وتسهيلها وتسريعها خلال وقت معين من خلال إجراءات محددة»؛ لا أعلم إن كان معالي الوزير قادرًا على إحداث التغيير الأمثل الذي ينشده العقاريون وبما يحقق المصلحة العامة؛ أم يبقى وضع كتابات العدل على ما هو عليه دون تغيير. أعتقد أن بعض كُتاب العدل يعملون باستقلالية عن إجراءات الوزارة، ولا أبالغ إذا ما قلت: إن بعضهم؛ وفي المحكمة الواحدة؛ يعملون بمعايير وإجراءات مختلفة عن بعضهم البعض، وكأنهم يطبقون عمليًا مقولة: «لكل شيخ طريقته». عدم وضوح الإجراءات تُساعد بعض كتاب العدل على رفض عمليات إفراغ نظامية، دون التمعن في الأضرار التي يتسببون بها للمستثمرين والقطاع العقاري بشكل عام. أخطاء كتاب العدل يتحملها المراجعون، وإن كانوا هم المتسببون بها، كإصدار الوكالات الشرعية دون رقم السجل المدني، أو نسيان ختم كاتب العدل، أو الأخطاء في كتابة الصك، ونحو ذلك. عدم وجود المرجعية الإدارية والقاعدة الفقهية والنظامية الموحدة تتسبب في خسائر فادحة لشركات التطوير، والشركات العقارية التابعة للقطاع المصرفي. فبعض كتاب العدل يمتنعون عن تنفيذ عمليات الإفراغ للشركات العقارية التابعة للمصارف، لا لأسباب نظامية، بل لاعتقادهم باشتمالها على محظور شرعي، وإن كان اعتقادهم خاطئًا، ما يفتح الباب للاجتهادات الشخصية المتباينة بين كتاب العدل؛ فكاتب العدل ليس قاضيًا ولا مفتيًا يهتم بالتأصيل وإسقاط الحكم الشرعي على المعاملات المتوافقة مع متطلبات الشريعة بفتوى صادرة من هيئة شرعية تضم أعضاء من هيئة كبار العلماء؛ بل هو موظف حكومي يختص بالتوثيق، كما عرَّفَتهُ اللائحة التنفيذية لاختصاص كُتَّاب العدل التي وصفته على أنه: «موظف حكومي يختص بتوثيق العقود والإقرارات». يُصاب المرء بالحيرة حين يرى رفض أحد كتاب العدل إنجاز عملية إفراغ، ويقبل بها آخر في نفس الإدارة؛ أو أن تعتمد ثلاث كتابات عدل في مدن مختلفة عقود الشركات العقارية الموثقة، والوكالات الشرعية المبنية عليها والمُصدرة للوكيل الشرعي، وترفضها رابعة في نفس المنطقة؛ وكأن كتابات العدل تعمل باستقلالية عن المرجعية الرسمية، والنظام المتبع!!. توجهات كاتب العدل تتدخل في بعض الأحيان بتشكيل رأيه الرافض لإنهاء الإفراغ، بمعزل عن النظام، وهذا ما يتسبب في وضع العقبات أمام تطوير القطاع، وتعقيد العمل، وتدني أداء كتابات العدل، وتعطيل مصالح المواطنين، وتعثر برنامج التمويل العقاري الذي تضع عليه الحكومة آمالاً كبيرة لمعالجة أزمة السكن الطاحنة. إذا كان بعض كُتّاب العدل يعتقدون بحرمة الإفراغ للشركات العقارية التابعة للمصارف، على الرغم من إجازة الهيئات الشرعية لمنتجاتها، فيُفترض أن يكون رفضهم صريحًا وخطيًا، بدلاً من التحجج بالإجراءات الضبابية التي توحي بعدم وجود المرجعية النظامية والشرعية الموحدة؛ وأن يرفعوا إلى وزارة العدل رؤيتهم الصريحة، ورفضهم القاطع، بدلاً من إضاعة وقت المراجعين، وحقوق المستثمرين، وإصرارهم على الالتزام بنظام مُستقل، وغير متوافق مع نظام وزارة العدل، والإجراءات الحكومية الصريحة. إجراءات كتابات العدل في حاجة ماسة إلى المراجعة والتطوير بما يكفل تحقيق العدالة على أسس من القوانين والأنظمة الشفافة، وتحقيق الكفاءة القصوى القادرة على تسريع وتيرة العمل، وإنجاز معاملات المواطنين، وحفظ حقوق المستثمرين والقطاع العقاري. ربَّما نحن في حاجة إلى إعادة النظر في بعض الإجراءات المتبعة، وزيادة عدد كتاب العدل وإحداث نقلة نوعية في الإشراف والإدارة، والرقابة، ومنع الاجتهادات الفقهية، والاستعاضة عنها بقوانين وإجراءات وزارة العدل التي يفترض أن تكون المرجع الوحيد لكتاب العدل والمراجعين على حد سواء. تطوير إجراءات الإفراغ وتسهيلها وتسريعها وحل مشكلة إيقاف الصكوك، وتداخل الأراضي أمور يمكن إنجازها بسهولة متى حضرت الإرادة والعزيمة، والرغبة في إحداث التغيير الإيجابي، وقبل كل ذلك، الحزم مع كل من يخالف إجراءات الوزارة، وتوجيهاتها الرسمية، ويتسبب في الأضرار بمصالح المواطنين؛ «كائنًا من كان».